سلمان بن محمد العُمري
تعد الوسطية أبرز سمة من سمات ديننا الإسلامي، وهي صفة خصّ الله بها هذا الدّين وأهله، يقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (143) سورة البقرة. وهذه الوسطية بكلّ معانيها وخصائصها أدركها سلف الأمة وكانوا حريصين على التزامها بالتزام ما جاء في كتاب الله الكريم وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم - فلا تفريط فيه، أو إخلال، ولا غلو، ولا تنطّع، ويشهد على ذلك سيرة الأولين وآثارهم، وأبرز ملامح الوسطيّة الالتزام والعدل وهذه الصفة تلزم أصحابها مهمة إنقاذ البشرية حينما يدعون إلى ماجاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه رحمة للعالمين.
وإذا كانت الوسطية من خصائص الأمة الإسلامية وصفاتها فإنّ الوسطية ادّعاها أقوام ونسبوها لأنفسهم، وزعموا أحقّيّتهم بهذا الوصف والصّفة وهي أبعد ما تكون عن ذلك، فلا التزام بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا بنهج السّلف الصالح، ولا استقامة ظاهرة، ولا بوادر للخير في قول أو عمل، ولا معيار للعدل لديهم، وفي المقابل فهم بعض المسلمين الوسطية فهماً قاصراً، وخروج بمعانيها عمّا ورد في كتاب الله الكريم والسنة النبوية الشريفة وفهم منهج السلف الصالح ومن هذه المفاهيم الخاطئة من يرى أن الوسطية تعني التساهل والتنازل، ويرون أن المتمسّكين بالسنة النبوية متشدّدون وفيهم غلو ويردّدون دائماً بأنّ الدّين يسر، نعم إنّه يسر ولكنه لا يعني ذلك عدم الالتزام بالواجبات والتساهل بالمحرمات، وفريق آخر سلك الطرف النقيض من الفهم من خلال مسلك الغلو والتشدّد والتنطّع فلا هذا ولا ذاك فهموا الوسطيّة الحقّة ومقتضاها ومقاصد الشريعة القائمة على الاعتدال والوسطية، وإذا كان ديننا هو دين الوسطيّة فإن على أتباعه قبل غيرهم أن يفهموا خصائص دينهم قبل غيرهم ليعبدوا الله على بصيرة ويسهموا في الدعوة إلى الله - عز وجل - من خلال تقديم الصورة المثلى للإسلام والمسلمين، وتتحقّق بذلك خيريّة الأمة حينما لا يكون هناك انحراف ولا عوج بعيداً عن نوازل الأهواء والشهوات.
فالوسطية خلاف للإفراط والتفريط، يقول ابن القيّم - رحمه الله - : (دين الله وسط بين الجافي عنه، والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين فكما أن الجافي عن الأمر مطيع له، فالغالي فيه مطيع له، هذا بتقصيره عن الحد وهذا بتجاوزه الحد).
ولقد تفضّل الله - عز وجل - على هذه البلاد المباركة « المملكة العربية السعودية « ووهبها الله حكاماً وعلماء تظافروا على نصرة هذا الدّين والتّمسّك به والسير على الصراط المستقيم المبني على الكتاب والسنة، ووفق فهم الصحابة - رضوان الله عليهم - ومن تبعهم بإحسان ملتزمين بالوسطية والاعتدال، ولذلك نرى أهل الزّيغ والباطل وكما هي سنن الحياة بالتدافع بين الخير والشر ينقمون على هذه البلاد مما هي عليه من التزام بالدّين فكانوا ينادوننا في السابق بالرّجعيّين واليوم يصفوننا بالإرهاب والتطرّف ويستغلّون الأحداث للنّيل من ثوابت هذه الدّولة المباركة القائمة على عقيدة السلف الصالح والنّيل من الدعوة الإصلاحية التي قام بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - وربّما كان هؤلاء من دعاة الضلالة والفتنة والفرقة وعلى طريقة « رمتني بدائها وانسلّت «.
لقد حرص علماء المملكة وقادتها على تطبيق مفهوم الوسطية منهجاً واستشهاداً بدءاً بالعناية بالعلم الشرعي المؤصّل من الكتاب والسّنّة ووفق فهم السلف الصالح وتفعيل الوسائل المساعدة في ذلك، وتقوم بلادنا كما أشرت على الحق وتنشر العدل وتطبّق الشّرع وتلبّي حاجات المجتمع المختلفة في كلّ القطاعات العلميّة والتربويّة والسياسيّة والاقتصاديّة والإعلاميّة وغير ذلك.
لقد قامت المملكة العربية السعودية خلال مراحلها الثلاث على الكتاب والسّنّة، وتطبيق شرع الله والدعوة إليه. وأكّد ذلك مؤسّسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله - حينما أعاد وجمع أطراف هذه البلاد، وأسّس دولة عظيمة واضحة المعالم ترعى الحق وتقوم به وتطبّق الدّين وتنفّذ أحكامه فتحقّق لها ولله الحمد وعد الله - عز وجل - في القرآن الكريم بالاستخلاف في الأرض والتمكين. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (105) سورة الأنبياء. وقوله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (55) سورة النور.
ومن هنا تظهر وسطيّة الإسلام السّمحة واضحة حين يضبط أخلاق الإنسان وسلوكه، ويتحقّق العدل بين البشر، وهي أصل ومبدأ من مبادئ الإسلام الثابتة.