قاسم حول
مصر أُم السينما العربية، حيث وصل إنتاج الأفلام فيها بين 100 - 120 فيلماً في العام، لم نسمع في عام 2015 سوى عن أربعة أفلام روائية، فكيف حال الإنتاج السينمائي في بقية البلدان العربية المشرقية وحتى المغاربية التي لم يعبث الإرهاب والقلق والتوترات السياسية فيها ما بلغه في سوريا والعراق ولبنان التي هي أساساً لا تنتج سوى فيلم واحد أو فيلمين في العام حين كانت الأوضاع مستتبة نسبياً،
وكان برميل النفط يتجاوز المئة دولار، حين تدهورت أسعار البترول ووصلت إلى ما يقرب من ثلاثين دولاراً، فشدت البلدان أحزمتها على البطون كما يقال، وألغت السينما من حياتها ضمن سياسة التقشف، وحتى بلدان الخليج التي كانت ترعى السينما من خلال المهرجانات وتقدم دعما للأفلام، تراجعت بإلغاء مهرجان أبو ظبي ومهرجان الخليج في دبي!
ضمن هذا الواقع، ولأن السينما تحتاج إلى استقرار لبناء القاعدة المادية للإنتاج، فإنَّ صناعة السينما لم تعد صناعة ولم تعد تجارة على المستوى الاقتصادي، ولم تعد ضرورة على المستوى الثقافي. وصار بعض السينمائيين ينتجون فيلما هنا بإمكانات متواضعة وبميزانيات مخفضة جداً، وفيلما هناك في فترات متباعدة بحيث لم يعد إنتاج الأفلام ظاهرة بل أصبح استثناء وهو لا يشكل سوى نشاط، لا يمكن القول عنه «سينما وطنية» أي سينما لها هويتها الثقافية، والسبب يعود إلى تراجع الإنتاج السينمائي.
والدعم الذي كانت تقدمه صناديق الثقافة في الغرب لسينمائيي الشرق الأوسط لم يعد بالحجم الذي كان قبل تدهور الأوضاع السياسية في المنطقة، وتعود الأسباب في جانب منها إلى سياسة التقشف أيضاً في الغرب، وفي جانب آخر، الخوف من المغامرة بتقديم الدعم لأفلام قد يصعب تحقيقها بسبب حجم العنف والاضطرابات الأمنية.
لكن إصرار السينمائيين على تحقيق نوع خاص من الأفلام بات واضحاً. فالسينمائي العربي أولا لم يعد يفكر بإنتاج الأفلام الملحمية أو التاريخية، بل يفكر بحكايات وقصص محدودة المواقع وقليلة الشخوص، وبأدوات تقنية متواضعة، وهذا النوع من الأفلام قد يفوق في صدقه وعدم بذخه للمال الأفلام منفوخة الميزانية التي كانت تنتج في فترات الرخاء الاقتصادي «النسبي». من هذا المنطلق يمكن جمع من عشرين إلى ثلاثين فيلما في عموم المنطقة العربية والشرق الأوسط، ما يشكل تظاهرة مهرجانية سنوية بات السينمائيون وعشاق السينما يقيمون لها المهرجانات في بلدان أوروبا وحيث تشكل الجاليات العربية والشرق أوسطية نسبة كبيرة من سكان أوروبا وأمريكا تقدر بملايين المغتربين الذين يريدون أن يشاهدوا أوطانهم بعين وعي الثقافية السينمائية. وظاهرة مهرجانات السينما في أوروبا وحتى في أمريكا وكندا، باتت تحظى بنوع من الإسناد والدعم المعنوي والثقافي والمالي من قبل بلديات المدن في أوروبا بشكل خاص، فهناك مهرجان في مدينة «مالمو» السويدية، وآخر في «جنيف» السويسرية، وثالث في «روتردام» الهولندية وقريبا رابع في «لاهاي» الهولندية أيضاً، وخامس في «سدني» الأسترالية وسادس في «برلين» الألمانية. كل هذه المهرجانات السينمائية وغيرها هي مهرجانات أغلبها عربية، إضافة إلى نشاطات سينمائية متفرقة لبعض بلدان منطقة الشرق الأوسط. هذه البدائل الثقافية هي أشبه بوعاء بديل للسينما المفقودة في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط. وقد بدأت تزدهر في العالم، ولها جمهورها الشرق أوسطي من المغتربين وصار لها جمهور أوربي وأمريكي وكندي، يريد أن يرى واقعا مختلفا عبر السينما ويريد أن يعرف كيف يفكر المثقف العربي وكيف يعبر عن واقعه. فنشأت ثقافة جديدة في الغرب، ثقافة عربية وشرق أوسطية مهاجرة بالضرورة السياسية، وليست بالاختيار الواعي، لأن حجم الإنتاج والحرية يفرضان شكل الخيار، بينما القسرية والظروف القاسية تحتمان البديل، لأن الجمهور العربي بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط، والذي ينتج مثقفوه الأفلام السينمائية المعبرة عن واقعه، لا يشاهد هذه الأفلام بسبب ما هدمته الحروب والاضطرابات السياسية للبنية التحتية الثقافية السينمائية ومنها تهديم صالات السينما، وحتى لو وجدت هذه الصالات، فإنَّ الجانب الأمني والتهديد الإرهابي ينعكسان سلباً على حرية المشاهدة والتلقي. وعلى سبيل المثال لا الحصرفإنَّ الفنانين ونجوم السينما الذين تقرر تكريمهم في مهرجان القاهرة السينمائي لعام 2014 خافوا من التوجه نحو صالة المهرجان لتكريمهم! فكيف بالجمهور الذي لم تعد له ناقة ولم يعد له جمل في الذهاب نحو مهرجان السينما وصالتها حين يتوقع متفجرة ليس على شاشة السينما في أحداث القصة السينمائية بل بين كراسي الصالة التي قد تكون ملغومة!
السينما هي ثقافة الاستقرار وثقافة الاسترخاء، وثقافة الحرية، وهذه المتعة الحالمة وغير المتوترة لا تتحقق الآن في المنطقة العربية، بل صارت تحققها مهرجانات سينمائية عربية بديلة في أوروبا لجمهور عربي وأوربي وغربي، وأظن أن هذا هو خيار بديل فرضته الضرورة، ومع الوقت سوف تتبلور هذه الظاهرة وتتطور لتشكل البديل الثقافي في ثقافة المشاهدة السينمائية العربية والشرق أوسطية!