د. خالد محمد باطرفي
اتصل زميلي معلقا على مقالتي الأخيرة «حرروا لبنان»، فقال: «استثمرنا في لبنان ثروات هائلة ووقفنا معه وقفات عظيمة واستضفنا أبناءه وأكرمناهم على مدى عقود، وجاء اليوم الذي نرى ونسمع فيه وزير خارجيتها يقف ضدنا ومع المعسكر الإيراني خلال اجتماعات وزراء خارجية جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ومن ورائه ساسة وإعلاميون وجماهير، إما صامتة أو مؤيدة له. لماذا لا نتوقف عن هذا الهدر الذي لا فائدة ترتجى منه، ونعيد من لا يحبنا إلى أحضان من يحبه، ونعتبر لبنان محافظة في إيران، عليها أن تتحمل صداعها وأعباءها المالية ونحرر جهودنا للداخل ولدعم من يستحق؟»
قلت للزميل أن ما يفوت على كثير من أصحاب هذا الرأي حقيقة أن لبنان هو جبهة متقدمة لنا. فهو إطلالتنا على البحر الأبيض المتوسط، وحدودنا مع إسرائيل وسوريا، وجبهتنا السياسية مع إيران وتركيا والعالم العربي. أما ثقافيا، فهو رئة العرب. كلنا تنتفس الديمقراطية وحرية التعبير، والنقاش عند اللبناني نوع من الرياضة الفكرية، وهو في بلد صغير يزدحم بالعرقيات وأتباع الأديان والأفكار المختلفة، أفضل وسيلة للتعايش.
ولكن للديمقراطية عيوب، ولبنان منذ استقلاله عام 1943م ساحة تمثيل، فجل وسائل الإعلام والأحزاب وقيادات الجماعات العرقية والدينية متقبلة للرعاية والوصاية الخارجية، كما استفاد كثيرون من الساحة اللبنانية الحرة لتمرير رسائلهم والدفاع عن قضاياهم، وخاصة من دول الجوار، كفلسطين وسوريا والعراق.
بعد الحرب الأهلية (1975-1990)، هيمن السوريون بدعم من إيران ووكيلها الحصري، حزب الله، وخسر الفلسطينيون النفوذ السياسي والعسكري الذي تمتعوا به لعقود، وخرج العراقيون والمصريون والليبيون وغيرهم. قادت السعودية جهود المصالحة التي توجت بتوقيع أعضاء مجلس نيابي منتخب عام 1972 برئاسة حسين الحسيني على معاهدة الطائف، عام 1989، والتي أنهت الحرب الأهلية وأعطت سوريا وضعا خاصا كراعية للسلام وضامنا للاتفاقية. عادت إيران إلى المشهد اللبناني بقوة بعد انتهاء حربها مع العراق (1980-1988)، وزادت من دعمها لحزب الله، الطرف الوحيد الذي احتفظ بسلاحه، بدعوى مقاومة إسرائيل (نفس الدعوى التي رفعتها الفصائل الفلسطينية قبل خروجها مع الاجتياح الإسرائيلي، عام 1982م).
واليوم أصبح الحزب الطائفي الذي يفتخر أمينه العام بعبوديته للولي الفقيه في طهران، قاعدة إيرانية متقدمة، تشن من خلالها الحروب في سوريا والعراق، ويتم تدريب وتسليح وتمويل العملاء في الخليج واليمن. كما توسع الحزب في سيطرته على زراعة وتصنيع وتسويق الحشيش والكبتاجون. إذا استمرت الأمور على هذا النحو فستنضم لبنان إلى العراق وسوريا تحت مظلة الهيمنة الفارسية، وتصبح دولة فاشلة مصدرة للعنف والإرهاب والمخدرات، وهذا مصير لا يمكن أن نقبله أو نستسلم له.
قد لا يعلم بعضنا أن غالبية اللبنانيين يقدرون للمملكة دورها، ويفتقدون أهلها، وينشدون تدخلنا لإنقاذهم من قبضة إيران وكابوسها، ولا يصح التخلي عنهم. خاصة أن غيابنا عن لبنان وغيرها من البلدان العربية ساهم في الماضي بسيطرة قوى الشر.
لدينا اليوم عاصفة حزم أتمنى ان يتسع مداها لتواجه النفوذ الإيراني في لبنان أيضا.