د. محمد عبدالله الخازم
قضية إلحاق الدارسين على حسابهم الخاص ببرنامج الابتعاث، أخذت حيزًا كبيرًا من الجدل خلال العام المنصرم حتى صدور قرار مجلس الوزراء المؤيد لما رفعته وزارة التعليم في هذا الشأن. هذه القضية وغيرها تشير إلى أن موضوع الابتعاث ظل يحكمه إطار فكري واحد، يتمثل في تكفل الدولة بكافة نفقات المبتعث وأسرته أثناء ابتعاثه للحصول على درجة علمية قد تسبقها فترة لغة. لذلك أصبحت حلولنا وقت الأزمات الاقتصادية هي تقليص عدد المبتعثين، كما هو حاصل أو متوقع حدوثه خلال الفترة المقبلة.
لنأخذ مثالاً الدارسين على حسابهم الخاص؛ لماذا حصرنا الموضوع؛ إما في بعثة كاملة أو لا بعثة؟
لماذا لم نفكر في حلول وسطية أو مرحلية، كأن تتولى الحكومة دفع الرسوم الدراسية لمدة فصل أو فصلين وفي حال أثبت الطالب جديته وحقق المعدل المطلوب يمكن منحه مكافأة المبتعث، وهكذا. بالمثل الطالب المبتعث والمتأخر دراسيًا لأسباب تتعلق بإهماله، لماذا تكون حلولنا تمديد البعثة له لسنوات أو قطعها بالكامل؟ لماذا لا يخصم من المكافأة يشكل تدريجي، ربعها ثم نصفها وهكذا طالما هناك إمكانية أو أمل في تحسن أدائه.
بمعنى آخر، لماذا لا نفكر في إعادة إدارة موارد الابتعاث بطريقة مختلفة لتشمل عددًا أكبر عبر حلول مختلفة؟ لماذا لا نساعد من بدء الدراسة على حسابه الخاص بشكل جزئي وتدريجي؟ ما هو المانع أن نشرك المبتعث غير المنضبط في تحمل جزء من المسؤولية المادية؟
أطرح أسئلة للنقاش وربما تكون بعض الحلول في تصنيف الابتعاث إلى فئات؛ الفئة الأولى المتميزة تحصل على كامل الميزات والفئة الثانية تحصل على ميزات أقل وهكذا. مع إتاحة الانتقال من فئة لأخرى وفق الأداء والتميز.
الجانب الفكري الآخر في الابتعاث يتمثل في الإصرار على الابتعاث للحصول على درجات علمية. لماذا لا يكون الابتعاث لفترات مؤقتة، كأن يبتعث طلاب الجامعات المتميزين للدراسة لمدة فصل أو فصلين دراسيين بالجامعات الأجنبية؟ يعتقد البعض أن لدينا برامج محلية كافية في كثير من التخصصات، وما دام الأمر كذلك فنحن نحتاج إلى إكساب المتميزين بتلك البرامج تجارب وخبرات دولية. لماذا لا يكون هناك برنامج مرادف للابتعاث يتمثل في إكساب طلاب الجامعات المحلية المتميزين - وفق شروط محددة- خبرات دولية في الجامعات العالمية، عبر اتفاقيات تقوم بها الملحقيات في هذا الشأن...
الفكرة الثالثة التي لم تتغير في برنامج البعثات على مدى عقود طويلة، هي تكفل الدول ببرنامج الابتعاث. لماذا لا يبحث عن مصادر تمويل أخرى كأن تعقد شراكات مع القطاع الخاص المهتم بالمسؤولية الاجتماعية وعبر التبرعات وغير ذلك؟ لماذا لا يشمل برنامج الابتعاث ضمن برامجه قروضًا دراسية يسددها المبتعث بعد عودته للعمل داخل المملكة وبشكل ميسر، كما يحدث في كثير من دول العالم؟
الأفكار أعلاه مجرد رؤوس أقلام، ولكي تتحقق، أعيد المقترح الذي كررته على ثلاثة وزراء للتعليم، بأن يتم تحويل برنامج الابتعاث إلى هيئة - مؤسسة مستقلة، لها تطوير برامج الابتعاث والمنح، ولها تنمية مواردها وغير ذلك مما يمنح برامج المنح والبعثات الاستدامة المطلوبة. وقد تشرف المؤسسة المقترحة بحمل اسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله-؛ «مؤسسة الملك سلمان للتبادل المعرفي». المؤسسة أو الهيئة قد تكون معنية بالابتعاث والتعاون الدولي المعرفي الخارجي وكذلك المنح الدراسية الداخلية والخارجية.
نحتاج أفكارًا مختلفة عن النمطية المعتادة وهذا الأمر يتطلب مرونة يصعب توفرها تحت المظلة البيروقراطية الحالية. مع التقدير بأن سياسات الهيئة المقترحة سيتم رسمها عن طريق مجلس إدارة برئاسة معالي وزير التعليم وعضوية الجهات ذات العلاقة...
أعلم بأنني أكرر فكرة سبق أن طرحتها؛ لكن نحن أمام وزير جديد نتفاءل - بحكم خلفيته الثقافية والمهنية - من قبوله للأفكار المختلفة سواء أتت في العلن، كما أفعل، أو خلف الأبواب كما يفضلها البعض. الفكرة هي الأساس وليس الشخص أو وسيلة طرحها!