محمد بن فهد العمران
في الآونة الأخيرة، كثر الحديث عن الأسباب التي دفعت أسعار النفط العالمية نحو الهبوط الحاد من مستويات أعلى من مستوى 100 دولار في شهر يوليو من عام 2014م إلى مستويات أقل من 30 دولار في يناير 2016م، حيث يرى الكثيرون (ومنهم مع الأسف بعض السياسيين حول العالم) أن هبوط أسعار النفط كان قراراً سياسياً بسبب الصراع السياسي في منطقة الشرق الأوسط الذي تفاقم بشكل واضح في السنوات الأخيرة بعد تدهور الأوضاع في سوريا واليمن والتي (من وجهة نظرهم) جعلت من النفط «لعبة سياسية» أكثر من كونها «سلعة اقتصادية» !!
للرد على هؤلاء السياسيين، يجب أن ندرك أولاً أنه من البديهي أن أسعار النفط العالمية تتحرك على المدى الطويل في ترابط إيجابي مع بقية أسعار السلع العالمية (خصوصاً أسعار الغاز الطبيعي وأسعار السلع المرتبطة بقطاعات التصنيع والنقل مثل الحديد والنحاس والألمونيوم وغيرها)، ولا يمكن أن تحيد أسعار أي سلعة من السلع عن هذا الارتباط إلا لفترة زمنية قصيرة لا تتعدى سنوات قليلة نتيجة لظروف خاصة بتلك السلعة، إلا أنه على المدى الطويل حتماً ستعود الأسعار إلى هذا الترابط الإيجابي فيما بين أسعار السلع طال الزمن أم قصر وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها.
فعلى سبيل المثال، يشير مؤشر بلومبرغ لأسعار السلع العالمية (وهو من أهم المؤشرات في أسواق السلع) الى أنه في عام 2011م سجل قمة عند مستوى يزيد على 170 نقطة، ثم بدأ بعد ذلك بالهبوط من تلك القمة حتى وصل الآن إلى مستوى يقل عن 80 نقطة، وبالنسبة لأسعار خام الحديد فهي أيضاً سجلت قمة في عام 2011م عند 180 دولارا للطن ثم دخلت في مسار هابط حتى وصلنا الآن إلى مستوى 50 دولارا للطن، وبالنسبة لأسعار الغاز الطبيعي (المنافس التقليدي للنفط) فهي أيضاً سجلت قمة في عام 2008م عند 13 دولارا ثم دخلت في مسار هابط لتصل اليوم إلى نحو دولارين، ونفس الشيء يذكر لبقية أسعار السلع مثل النحاس والألمونيوم وغيرها.
بالنسبة لأسعار النفط، فبعد انتهاء الأزمة العالمية عام 2008 - 2009م حاولت تكوين مسار صاعد قصير الأجل فوق مستوى 100 دولار خلال الفترة بين 2011 - 2014م نتيجة لعوامل مؤقتة خاصة بسوق النفط، إلا أنها لم تستطع الصمود بعيداً عن الاتجاه العام لأسعار السلع العالمية التي كانت تتحرك حينها في اتجاه هابط معاكس، ولذلك كان من الطبيعي أن تشهد أسعار النفط قبل نهاية عام 2014م بداية الهبوط الحاد ثم استكملت هذا الهبوط خلال 2015م وحتى الآن، مما يدل على أن هبوط أسعار النفط كانت نتيجة لعوامل خاصة بأسواق السلع العالمية (من أهمها الدخول في دورة اقتصادية جديدة) بعيداً عن العوامل السياسية !!!
هذا يعني أن من يقول إن أسعار النفط «مسيسة» (وهم في الغالب في روسيا وإيران) هم في واقع الأمر يجهلون أساسيات عمل أسواق السلع العالمية، والمضحك أنهم يعتقدون أن أسعار النفط العالمية من الممكن ان تستمر لفترة زمنية طويلة في اتجاه معاكس لاتجاه أسعار السلع العالمية.
وفي رأيي لن تشهد أسعار النفط مستقبلاً استقراراً أو ارتفاعا مطمئناً إلا إذا استقرت أسعار بقية أسعار السلع العالمية أو ارتفعت، فيما قد تقود أسعار النفط بقية أسعار السلع نحو الاستقرار أو الارتفاع في حال تحسن الأوضاع السياسية في سوريا واليمن أولاً، ويبدو أن هذا أمر صعب الحدوث على المدى القصير والله أعلم.