د. جاسر الحربش
يوجد ملايين من المسلمين تحولوا إلى جنسيات غربية، بدون التحول عن الإسلام إلى ديانة الوطن الجديد. يوجد عرب بالملايين من أتباع الديانة المسيحية المشمولين بجنسيات الدول في أوطانهم العربية بدون أن يتحولوا عن دياناتهم كشرط للمواطنة. المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة التي يعتنق كافة مواطنيها دين واحد هو الإسلام، ولكن على مذاهب مختلفة. بالرغم من أحادية الدين بما يشمل جميع المواطنين السعوديين، إلا أنه توجد في الحاضنة الشعبية من يفصل الحق في الوطن على قياس المذاهب داخل الدين الواحد. هذا الوضع الرمادي يجب أن يبت فيه بنظام مواطنة واضح المعالم، وبقوانين عقوبات شديدة على من يتخطاه. إن لم يتم التعامل مع هذا الوضع الرمادي بكل وضوح سوف تبقى التربة صالحة لفتاوى عشوائية تكفيرية لا نهاية للمغالاة فيها والتوسع في دوائرها التدميرية للوطن.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل بشجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟. فقال صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.
مضمون الحديث، الهدف من القتال يجب أن يكون في سبيل الله، والمعنى المتضمن داخل القتال في سبيل الله هو الدفاع عن دين، وأموال، وأعراض، وديار المسلمين، والدفاع عن الوطن يدخل في هذا التكليف، ويبدأ بمكونات هذا الوطن بما يشمل كافة المنتمين إليه والمتعايشين بداخله.
واحد من أفضل شيوخنا الكبار (انتقل إلى رحمة الله تعالى قبل زمن) شرح الحديث كالتالي: نحن إذا قاتلنا من أجل الوطن لم يكن هناك فرق بيننا، وبين الكافر؛ لأنه أيضا ً يقاتل من أجل وطنه. والذي يقتل من أجل الدفاع عن الوطن فقط ليس بشهيد، ولكن الواجب علينا ونحن مسلمون في بلد إسلامي ولله الحمد ونسأل الله أن يثبتنا على ذلك، الواجب أن نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا.
ثم ورد كتعليق على شرح الشيخ التالي: انتبه للفرق، نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا فنحمي الإسلام الذي في بلادنا، سواءً في أقصى الشرق أو الغرب، فيجب أن نصحح هذه النقطة فيقال نحن نقاتل من أجل الإسلام في وطننا، أو من أجل وطننا؛ لأنه إسلامي ندافع عن الإسلام الذي فيه. الحديث الشريف واضح وشرح الشيخ للحديث ينطلق من حقيقة قائمة منذ فجر الإسلام هي أن وطننا دار من ديار الإسلام.
التلغيم (وربما عن غير قصد) ورد في التعليق وليس في شرح الشيخ. منذ الجملة الأولى تبدأ التعبئة الفكرية بالقول: انتبه إلى الفرق، نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا. اشتراط القتال بهذه الطريقة يفترض خيالاً أنَّ بلادنا قد تصبح - لا سمح الله - غير إسلامية، وفي هذه الحالة لا نقاتل من أجلها. يدخل حينئذ في الاحتمال بالضرورة أن نقاتل بلادنا لو اعتبرناها غير مسلمة.
إذاً اتخاذ القرار مربوط بفتوى محتمله يقتنع بها الشاب ذكراً كان أم أنثى عندما يقرأ التعليق فيستقر هذا الفهم في عقله. كل المنظمات الإرهابية المحسوبة على الإسلام تكفر المجتمعات الإسلامية، وتبدأ بحكوماتها وأنظمتها، ابتداءً من بعض الجماعات التي تفرعت من الإخوان المسلمين مثل التكفير، والهجرة، وجماعة الفريضة الغائبة، عبر القاعدة، وحركة جهيمان، وصولاً إلى داعش.
المجلس الفقهي فيما يسمى الدولة الإسلامية يكفر كل الحكومات العربية بما في ذلك المملكة العربية السعودية، تماماً مثلما تفعل إيران، وحزب الله، والحوثيون. كم عدد الشباب في المجتمع السعودي الذين قد يفهمون شرح الحديث أعلاه، والتلعيق عليه حسب فتوى تصدر من داعش، أو أية منظمة إرهابية أخرى. الأعداد التي تعلن السلطات الأمنية عن اكتشافها بشكل متكرر ترينا عمق المشكلة، وترينا أنها مشكلة داخلية أولاً، لا تلام القوى الخارجية حين تستفيد منها ضد المملكة العربية السعودية، وضد المسلمين والإسلام بالعموم.
تضمين جملة «من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب» في التعليق حمال أوجه، ويمكن أن يفهمها أحدهم بناءً على فتوى إرهابية على أنها تشمل كامل ديار المسلمين من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب بدون وطن داخل حدود دولة، بما يفتح المجال للعبث تحت مسمى الجهاد خارج الحدود من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.
في آخر التعليق ترد جملة تصحيحية هكذا: فيجب أن نصحح هذه النقطة فيقال نحن نقاتل من أجل الإسلام في وطننا، أو من أجل وطننا؛ لأنه إسلامي ندافع عن الإسلام الذي فيه. مرة أخرى، التصحيح حمال أوجه، ويبقى على الأقل مفتوحاً على الاحتمالات التالية:
أولاً: الشيخ لم يقل هذا الكلام في شرح الحديث الشريف، ولم يعرف الوطن بالطريقة التي يعرفه بها التعليق.
ثانياً: يبقى تصنيف الوطن مسلماً أو غير مسلم معلقاًً بفتوى عشوائية قد يتلقفها شاب من العينات التي نتصارع معها بشراسة، فتوى تصدر من جماعة خارجية لا يعجبها الإسلام الذي نحن عليه.
ثالثاً: الأطياف الإسلامية التي يحتويها وطننا متعددة يشملها جميعاً قرار الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه -. منذ انتشار تيارات، وأدبيات، وفضائيات تيارات الفتنة المذهبية أصبح التصنيف «مسلم أو كافر» يتحدى أطر التعايش الوطني، وأظن العمل على التخلص من هذه الضبابية أصبح من أوجب الواجبات.