سعد السعود
عندما تنوي البناء فحتماً أول ما يتبادر لذهنك الشباب.. فلا يمكن أن تضع حملاً ثقيلاً كهذا على ظهر رجل كبير هو لا يقوى أصلاً على حمل نفسه.. ولذا فأغلب الشركات والمؤسسات تيمم شطر الشبان ليكونوا هم ركائزها.. وهم الأساس الذي تعتمد عليه في تحقيق تطلعاتها.. ورسم المستقبل المشرق لها.. فنادراً ما تجد منظومة عمل تخلو من هذه الشريحة.
ولعل تغريدات الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي نهاية الأسبوع الماضي هي درس لمن ينشد النجاح ويبحث عن التفوق.. فقد غرد بقوله: (دولتنا دولة شابة.. قامت على الشباب.. ووصلت إلى المراكز الأولى عالمياً بسببهم.. وهم سر قوتها وسرعتها.. وهم الكنز الذي ندخره للأيام القادمة)، أي تقدير يحمله أكبر مسئول لهذه الشريحة وهو يصف الشباب بأنهم الكنز الذي يدخر.. وهل أثمن من الكنز؟
ولأن الشيخ محمد بن راشد لا يؤمن بإطلاق التصريحات الرنانة بل هو ممن يترجمها لأفعال وجدناه يغرد بأخرى بقوله: (أريد أن نختار شاباً أو شابة تحت سن الـ 25 ليمثل قضايا الشباب وطموحاتهم.. أريده وزيراً معنا في حكومة الإمارات)، يا الله أي ثقة بالشباب يمنحها أكبر مسئول؟ وأي إيمان يستوطن فكر هذا الرجل ليقلد تلك الفئة حقيبة وزارية؟! إنه باختصار استقراء للمستقبل.. ورهان على من يستحقون الرهان.. وفرصة تقدم ليصنع الجيل الجديد حكاية بديعة كتلك التي بناها من سبقه.
قد يقول قائل: وما دخل ما تقوله في الرياضة؟ وما مناسبة هذه المقدمة لتكون في مقالك وأنت تكتب عموداً رياضياً؟.. سؤال وجيه.. وإجاباته لا يمكن قولها قبل المرور على هذه المادة في اتحاد الكرة حيث أنه بحسب المادة 32 من النظام الأساسي في الاتحاد السعودي لكرة القدم الفقرة الرابعة: فإن رئيس مجلس الإدارة يشترط في تقدمه وترشحه للرئاسة أن يكون لديه مؤهل جامعي.. مع خبرة نشطة في مجال كرة القدم محلياً أو دولياً لا تقل عن 15 سنة مارس خلالها مهمات ومسؤوليات وأعمالاً أو مناصب قيادية محلياً أو دولياً.. وأن يكون متقناً للغة الإنجليزية.
شاهدوا الفرق بين مقدمتي عن فكر الشيخ محمد وقارنوه باشتراطات اتحاد الكرة لمن يريد تقلد منصب الرئاسة.. فالأول رحب بالشباب وطرح فيهم الثقة.. بل وشرع في تسليمهم حقيبة وزارية.. واشترط لذلك أن يكون دون الـ 25 من عمره.. في حين أن اتحاد الكرة يشترط 15 عاماً كخبرة لمن يفكر مجرد تفكير أن يتقدم لمنصب الرئاسة.. فبرأيكم: كم سيكون بلغ من العمر من لديه خبرة عريضة كتلك؟ وأي حيوية يمتلكها في شغل هذا المنصب؟ وكيف له أن يتعرف على احتياجات الشباب وهو ممن تجاوزهم بسنين؟!
ولذلك فلم ولن نستغرب ما نعانيه من تقهقر كروي.. فالكل يلهث خلف المناصب دونما تفكير بما يحتاجه المنصب.. والأغلب يغلّب مصلحته الخاصة على المصلحة العامة.. وما تلك الاشتراطات المعقدة لمنصب رئيس الاتحاد إلا لكي تكون مفصلة على مقاييس ثلة معينة في حين أن الكفاءة هي آخر الاهتمامات.. ويبدو أننا سنكرر خطأ هرولة أحمد عيد للفيفا وترشيح نفسه لعضوية اللجنة التنفيذية متجاوزاً كل الكفاءات الشابة لدينا.. لتتكرر الأسماء التي أكل عليها الزمن وشرب.. وعانى منه الوسط الرياضي حتى تعب.
أخيراً.. شكراً للشيخ محمد ففي الأسبوع ذاته الذي خُنق فيه طموح الشباب في اتحاد الكرة بسبب أنظمته وقوانينه البالية.. قدمت له هناك متنفساً ومنحته ضوءاً من الأمل.. درس ليت اتحاد كرتنا الموقرة يعيه.. ووصفة نجاح ليت مسئولي اتحاد الكرة وجمعيته العمومية يقرؤونها ويطبقونها.. ليدركوا حقيقة جلية وهي أنه شتان بين من يرسم إستراتيجية طويلة الأمد وبين من أصاب عينيه الرمد.. فشتان بين من يستقطب الشباب وبين من يقصيهم.. وشتان بين من يعمل للمستقبل وبين من يغرق بالحاضر.. وشتان بين من يبحث عن الطموح وبين من الكرسي هو أقصى طموحه.. وشتان من يقدم مصلحة البلد وبين من يرى أن البلد لم تلد سواه من ولد.. وشتان بين من ينقب عن الكفاءات وبين من يخنق تنفس أي من الطاقات.. وشتان بين من يملك رؤية وبين من أعماه المنصب عن المشاهدة.. وهنا الفرق ما بين الأول وبين الثاني، ذاك يخطط لأجيال أما هذا فيتخبط في بضعة أميال.
آخر سطر
من أجمل ما قرأت: الناجحون يبحثون دائماً عن الفرص لمساعدة الآخرين.. بينما الفاشلون يسألون دائماً: ماذا سوف نستفيد نحن من ذلك.