ميسون أبو بكر
كانت الحكمة الأولى التي تعلمتها في الحياة منذ كنت ابنة السابعة؛ من جدّ وجد ومن زرع حصد ومن سار على الدرب وصل.
كان معالي وزير التربية والتعليم في الكويت الأستاذ جاسم المرزوق قالها لي حين سألته في حواري معه عن حكمته في الحياة.
بعد ذلك صارت حكمتي وسبيلي، وبعد أن وعيت أكثر أدركت جيداً عمق هذه الجملة ودلالاتها، وكيف تمنحني رغم بساطتها القوة على المضيّ والإنجاز، والأكثر من هذا أنني اكتسبتها منذ الصغر ومن مسؤول عن التربية والتعليم وهي المرحلة الأهم لكل منا حيث يكتسب الطفل العربي المهارات والعلم بشكل أكبر بكثير من اكتسابه في مراحل لاحقة.
حين أنظر لشبابنا وإنجازهم في الوظائف والصورة التي رسخت في ذهنية البعض عن كفاءاتهم والتزامهم بالدوام والعمل أتساءل؛ إلى أي مدى مدارسنا كانت شريكاً فاعلاً في تنشئة النشء وفي كونها مع الأسرة تشكّل منظومة متكاملة تخرج إلى الحياة أفراداً ناجحين واثقين ملتزمين؟.. ووزارة التعليم يسبق المسمى التربية، والتربية تحمل مفهوماً واسعاً من إعداد الفرد سلوكاً وتنظيماً، وكذلك من حصص الأنشطة المدرسية ما يُضاف للتلقين العلمي، لكن الملاحظ ومن قرارات وزارة التربية والتعليم وقبل أن تنضم لوزارة التعليم العالي في وزارة واحدة أنه كانت هناك جهود حثيثة وقرارات حازمة (وأضرب هنا مثلاً) للطلبة المتغيبين عن المدرسة، والملاحظ تكرر الغياب دون أسباب مهمة وبأعذار واهية حتى إن بعض الطلاب يُوصلون الخميس بعطلة الجمعة أو الأحد بالسبت ويتعدى غيابهم أوقات الإجازات بحجة أنه ما في دراسة أول أيام الدوام.
هذا الأمر من شأنه التسبب بضرر كبير في بنية تفكير الطالب وعدم شعوره بالالتزام والمسؤولية وإهمال المواعيد المهمة لذلك كان التوجيه حازماً في عدم السماح لتغيب الطلاب إلا بتقرير طبي رسمي معتمد.
أيضاً السعودة الوهمية في الشركات تسببت بضرر كبير للمجتمع والفرد الذي يتلقى راتباً ولو ضئيلاً وهو في بيته بمسمى موظف وهو لا يدرك أن هذا الأمر لا يريحه من ساعات الدوام بل يصنع منه فرداً كسولاً غير منتج، وهو عاطل عن العمل.
ما نجده اليوم من تأخير لمعاملات المراجعين وعدم وعي بعض الشباب في أهمية دورهم في مجتمعهم، وتغيبهم غير المبرر والمتكرر ومغادرتهم العمل بعد التوقيع على الحضور بقصد عدم تقييدهم غياباً، وتذمرهم من المردود المالي وساعات الدوام التي لا تتجاوز ثماني ساعات كل هذا يضر بمسيرة العمل والتنمية، وأيضاً لا يحقق المواطنة الحقة والانتماء لوطن هم النواة الرئيسة به ويشكّلون أكثر من نصفه.
يعوّل أيضاً على المسؤول في العمل؛ حيث المجاملات والواسطات وعدم مراقبة ومتابعة العمل والموظفين من شأنه أن يُشكّل فساداً يضر شبابنا أنفسهم ولا يخدمهم بأي شكل كان.
من الجميل والمفرح ما سمعناه قبل أيام حول استحداث وزارة جديدة في الحبيبة الشقيقة الإمارات؛ وزارة للسعادة من الشباب المميز، وهذه تحفيز للشباب على التنافس الجميل وخدمة الوطن وتمثيله.
في المملكة نماذج مشرفة وأبطال حقيقيون نفتخر بهم وبإنجازهم خارج وداخل المملكة، وقد أعطوا صورة مشرفة للشباب والفتيات السعوديات وحضروا على خارطة العالم كمبدعين.
كنت أستمع لحديث ضيفي د. فهد الشليمي بالكثير من الفخر وهو يتحدث عن هذه النماذج.
وطننا له رجال مرابطون على حدوده يدافعون عن حِماه، وصقور في سمائه وجنود على أرضه وشباب يحفرون مستقبله بأحرف مشرقة، ولا يكتمل المجد وينتصر الحلم إلا بالشعور الذاتيّ لدى هؤلاء بالعمل والإخلاص وروح المواطنة الحقة، ولتكن حكمتنا؛ من جدّ وجد، ومن زرع حصد ومن سار على الدرب وصل.
من آخر البحر
كلهم يهربون منك أيها الحب
يلقون قلوبهم في البحار الآسنة
يقفلون سمعهم عن عباراتك الساحرة
لك البدايات وعنفوانها
ولهم النهايات العاثرة