رمضان جريدي العنزي
ما غادرت الثعابين أوديتها بعد، ما زالت تنتج السم الزعاف، وتبحث عن الكأس للتترعه، كل يوم لها جلد، وحركة وخطة وتلو، تبحث عن هدف، لتزرع في الطريق الأذى، وتزيد الجرح داء ودماً، لا تعرف الورد، ولا الحقل، ولا رائحة الزيزفون، ولا لون البنفسج، ولا يثيرها الزهر، ولا أشواق المنى،
.. لكنها تتقن السقم في الكرى، وتعشق الغربان في النوى، كم لدغت وأماتت، وزفت إلى القبور أعدادا، كم وشمت في القلوب أسى، وما كفى، كم صبت في الأرواح وصبا، وجعلت في النفوس جوى، وفي البساتين شوكا وعليقا وسعفا، غر من قال للثعابين حلم ودعة، غر من قال لها وطن، غر من قال لها حلم ورقة، صادق من قال الظلام عند الثعابين يظل أبهى وأصفى، ما أذكر أن للثعابين نوما، أو قيلولة، أو وسنا، الحرقة عندها تتوالد، ممزوجة بسخونة ولهيب، تتوسد الحجر، وتبحث عن مارة، لها توجس ودهشة وحيرة، تبحث عن موت كل رمشة جفن، الحياة عندها بعثرة وانتفاء، الدم عندها نهاية حتمية، داخلها ملغوم، لا تتقن مهادنة الحقيقة التي قد تطيح برأسها، عندها خزي وردة، وتوهم باليقظة، تقفز من جحر العدم لتلتحق بالوهم، لا يوجد في عينيها رؤى، ولها زيف أملى عليها السكينة إلى حين، تتقاذفها هلامية الواقع، لمراياها غبار، لذا تتجنب بذعر التحديق في وجهها المكفهر العبوس، الذي استمكن من ملامحها المخيفة، تتعثر بقطع الظلام، وغموض المكان، تخاف ضئيل الضوء، وتفجع للون الخميلة، تحاول الانتشار، وتسيد الأمكنة، لتملأها بالاختناق، المختصون بتشريح جسدها أصروا على أنها تفترس نفسها، سواها، وما عداها، تكره النور بلا مقاومة، ولها مراسيم ثرثرة التي لا تتقن سواها، لها أسماء وترهات وألسنة وأسنان وخفايا وموسم هجرة وموسم خداع، تتقن استغفال العيون، وتسلق المنازل، وموت الأشجار، وافتراش الساحات، ولها طريقة كيف تقضي على الأمنيات العريضة، حتى الماء الذي يسقي المدينة تعرف كيف تسكب فيه السموم المميتة، قلوبها سوداء، ورائحتها مثل عوادم، وبقايا كيمياء، غذاؤها لحم ودم، ما تعرف أبدا رحيق زهر الجنان، تحب الأودية القاحلة، وجحور الغير، ونواياها غير مهذبة ولا فاضلة، تريد استلامنا وامتثالنا والاعتداء علينا واستئنافنا رحلة القهر والجفاف والجدب مجددا، وطلي نهاراتنا باللون القاتم، للثعابين جحافل، تمر خاطفة، مزمجرة، متماثلة، متميزة كالجحيم، لها تيه ينازع رغبة الالتحاق بالسمو، تفرح لمرئى الموت والحزن والجوع والويل والخطايا، وجوهها متشابهة، وعندها عمى مختلط بالسواد، نوافذها مغلقة على العتمة والتوحش، ولها عزلة محاذرة، وغواياتها لعينة، انسيابها بلا جاذبية، ولها غموض مضبب، وطقسها الجماعي هجين، أمكنتها ردهات معتمة، صورها عتيقة، وحكاياتها أساطير كاهنة، تضج بالسخط والاتهام، وتتوعد بالحريق،ما تعشق غير اللون الأصفر، والأسود ورائحة الدماء والضياع، تلجأ إلى معتقدات بائدة، تبحث عن انتماء، رغم داء الظلام، مستخدمة الطلاسم والهواجس، تحاول إزاحة الغبار من على المرايا، وما درت بأنها هي من جاءت بالغبار، تجلل بالصوت من حولها لكي تكسر الزجاج، هي الثعابين حين يحاصرها النور تلهج بالأسئلة، ثم إن فشلت، تذهب مرهقة مسرعة تبحث عن واد سحيق يضم أجسادها المبهمة، تبحث من جديد عن رغبة متمردة.