أحمد بن عبدالرحمن الجبير
هناك شيء يحتاج إلى تفسير فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي في بلادنا، من وضع قانون الاستثمار، وضعه وهو يحمل نظرة سلبية لهذا الاستثمار، وفي نظرة أخرى يعكس قوة وحضور لوبي رجال الأعمال. فالاستثمار الأجنبي يكشف عورات مصانعنا ومنتجاتنا، وهي تحصل على الدعم الحكومي، غير أنها لا تقوى على المنافسة، وستواجه صعوبات كثيرة حال مضينا قدماً ببرنامج التحول الاقتصادي. وسوف نرى خلال الأيام القادمة انكشاف حال هذه الصناعات شبه الوهمية، التي كانت وراء الهاجس السعودي من الآخر.
ترى لماذا يحاربون الاستثمار الأجنبي إذاً، لماذا يتم تغليظ وتصعيب القوانين والإجراءات، وعدم التفريق بين الاستثمارات المفيدة، والضارة باقتصادنا، رغم أن التقارير الاقتصادية تشير إلى أن المملكة تأثرت من وراء تراجع الاستثمارات الأجنبية بنسبة 50% نهاية عام 2015م، فهل أصبحت المملكة غير جاذبة للاستثمار الأجنبي؟ أم وصلنا إلى مرحلة طرده، ليبقى السوق محتكراً لبعض الأشخاص.
صانع القرار مدرك تماماً أهمية التحولات الاقتصادية، ومدرك أيضاً بأن بعض القوى الاقتصادية ولوبياتها سبب رئيس في تعزيز البيروقراطية، وسبب رئيس في وضع العقبات أمام الاستثمار الأجنبي، بحجة الحماية الوطنية، فهي لا ترغب بالعمل، ولا ترغب بقدوم الاستثمار الأجنبي، والسؤال ما الحل؟!,, فبعض المستثمرين لدينا أغرقوا السوق بمنتجات متدنية الجودة، وقومتها بأسعار عالية.
هناك رسالة حكومية تؤكد أن ثمة اهتماماً على مستويات القيادة بضرورة تصحيح مسارات الاقتصاد السعودي، ودعم التنمية المستدامة لمواجهة هبوط أسعار النفط، وإعادة تشكيل وتنويع اقتصاد المملكة، والدولة - أعزها الله - تتجه نحو إزالة العوائق أمام تدفق رؤوس الأموال إلى المملكة، والانفتاح على الاستثمارات العالمية، وتقوم بإجراءات جديدة من شأنها جذب الشركات العالمية للاستثمار في قطاعات مختلفة.
أن الخطوات التي اتخذت من أجل زيادة الاستثمارات الأجنبية في السوق السعودي ممتازة، وذات جدوى اقتصادية مفيدة، كما أن الانفتاح الاستثماري السعودي على الاستثمار الأجنبي المباشر سيكون له فرص واعدة على طريق استكمال تنوع الاقتصاد الوطني الشامل والمستدام، لأن وجود المستثمر الأجنبي المباشر في المملكة يُعَدُّ خطوة إيجابية ومهمة لإنشاء مزيد من المدن الصناعية، والاقتصادية، ونمو لرأس المال الأجنبي في الوطن.
ولعل من الأشياء الإيجابية والمفرحة جداً، ترؤس ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على المجلس الاقتصادي والتنموي، وإشراف سموه شخصياً على عملية التحول الاقتصادي الوطني، ونأمل من خلاله بأن يؤدي التحول الاقتصادي إلى ما نصبو إليه لأجل بلدنا ومواطنينا، لأن إطلاقه حزمة الإصلاحات الاقتصادية، وطرحه مبادرات تنموية شاملة بعدم الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي.
والمملكة اليوم تُعدُّ من أهم أسواق الشرق الأوسط المتميزة بالنمو السكاني، وتوفر الأيدي العاملة المؤهلة، والقوة الشرائية، لذا فإننا بحاجة ماسة إلى استثمارات ضخمة لمضاعفة الناتج المحلي، وإزالة عوائق الاستثمار أمام المستثمر الأجنبي، والمحلي الذي يواجه تحديات كبيرة نتيجة التغييرات المتعددة، والمفاجئة للبعض منها خصوصاً بما يتعلق بسياسة التوطين والسعودة، والإنفاق الحكومي.
هناك الكثير من القطاعات التي توفر فرصاً كبيرة للمستثمر الأجنبي، وهذه القطاعات متنوعة: مثل التعليم والصحة، والإسكان والسياحة، والنقل والصناعة والزراعة، والتعدين وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والطاقة والمياه، والبيع بالتجزئة والجملة، والعقارات والاستثمارات المالية والمهنية، وغيرها من الخدمات الأخرى الني توفر الفائدة لكل الأطراف المعنية، وتقدم إضافة جديدة للتنمية الشاملة، والاستدامة.
لذا يفترض تشكيل فريق عمل استشاري خاص من أبناء الوطن ممن لهم باع في مجال الاستثمار، وعقد لقاءات مشتركة بينهم، والهيئة العامة للاستثمار، ووزارة التجارة والصناعة ووزارة العمل، والغرف التجارية، والقطاع الخاص لدراسة شروط الاستثمار الأجنبي، والعمل على إزالة معوقات الاستثمار في السوق السعودي، ووضع تصور جديد من شأنه إزالة كل الإشكالات التي تحد من تدفق الاستثمارات العالمية إلى السوق السعودية.
ونامل أن تنتهي اللجنة الحكومية المشكلة من الجهات المعنية لإعادة دراسة كل الأنظمة التجارية والاستثمارية، وإلغاء شرط الشريك السعودي بغرض تسهيل عمل الشركات العالمية، وفتح المجال أمامهم للعمل المباشر في السوق السعودي بشرط ان يتضمن استثماراتهم دراسات عن خطط التصنيع المستقبلية، وبرامج تدريب المواطن وأيضاً توطين الوظائف، والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطن.