أحمد بن عبدالرحمن الجبير
هناك العديد من النماذج الناجحة لبرامج التحول الاقتصادي في البلدان العربية مثل مصر والأردن، وفي دول أوروبية مثل بريطانيا، وأيضاً هناك نماذج فاشلة في الخصخصة، مثل التجربة الماليزية والروسية، فإننا نتوقف عند أسباب الفشل في البداية لأخذ الدروس والعبر قبل التحول الاقتصادي في بلادنا، حيث إن الخصخصة على أهميتها ونجاحها في العديد من الدول المجاورة، إلا أنها فشلت في دول أخرى في ظل غياب الإرادة السياسية.
ولعل من أسباب الفشل، هو عدم توفر الإرادة السياسية الصلبة لهذه المشاريع، وغياب البيئة الصحية للخصخصة، مثل توافر شروط المراقبة والمحاسبة والمساءلة والشفافية، واستمرارية دورة الفساد وتأثيرها في هياكل الاقتصاد، وتقديم المصالح الفردية على حساب المصالح العامة، ولعل فشل التجربة الماليزية في الخصخصة ناجم عن ثقل دورة المصالح الشخصية على دورة التحول الوطني.
أما التجربة الروسية فكانت مثالاً للفشل، فقد استعجلت موسكو في تحويل ملكية ما يقارب 17 ألف شركة من ملكية عامة إلى ملكة خاصة، كما أن العملية الانتقالية من الاقتصاد الاشتراكي إلى الرأسمالي كان سريعاً وأقرب إلى الصدمة، كما أن التوقعات بالتحول العاجل نحو اقتصادات السوق، والوصول إلى النموذج الأوروبي على الأقل لم يتحقق، الأمر الذي أحدث ردة فعل عن مشروعات الخصخصة ومحاربتها.
كما أن غالبية الشركات التي قادت الخصخصة وسيطرت على الاقتصاد الجديد، لم تكن واثقة من سياسات الحكومة الروسية، حيث كانت توقعاتها في مكانها، إذ سيطرت رموز الفساد والتحالفات الجديدة والناشئة على الاقتصاد الروسي، وباتت الحكومة تستشعر ثقل هذه السيطرة على الأمن الوطني الروسي، مما أثار هلع العمال وأصحاب الصناعات التقليدية.
وفي التشيك تم خصخصة أكثر من 1800 شركة، وقسمت على فئتين.. الأولى الفئة الإستراتيجية.. أما الفئة الثانية فهي الفئة التقليدية، أما الإستراتيجية فقد بيعت للمستثمرين، أما التقليدية فقد بيعت للجمعيات والبلديات، وبعض المستثمرين السابقين، ولعل من أسباب فشل برنامج الخصخصة أنه قسّم الخصخصة إلى فئتين، أدت إلى أضعاف عوامل المنافسة، وعرقلت ظهور شركات رشيدة.
ومن العوامل التي ساهمت بفشل الخصخصة أن الواقع لم يتغير إلى الإيجاب بقدر ما تضاعف سلباً، وهو الذي دفع بمنظمات المجتمع المدني، والإدارات البيروقراطية لمحاربة عمليات التحول ما يعني بأن التحول غير المنضبط سيؤدي إلى حدوث اختلالات وردة فعل معاكسة، وأحياناً غير متوقعة، كما حدث في روسيا، فترة حكم الرئيس الروسي بوريس يلتسين، حيث تحالف رجال المال والأعمال مع بعض المافيات الاقتصادية، وحوّلوا إنتاج الحكومات على مقاسهم.
ومن أسباب فشل برامج الخصخصة أن القائمين عليها هم أعضاء في القطاع الخاص لم تتوافر لديهم عقلية الدولة، وضوابطها وشروطها، وحساسيتها اتجاه مواطنيها، بينما عقلية رجال البزنس تختلف اختلافاً جذرياً عن عقلية رجال الدولة، وهذا الأمر كان بسبب غياب الاستشاريين والخبراء الماليين والاقتصاديين المتخصصين لتنفيذ برامج الخصخصة دون أن تكون لهم علاقة مع القطاع الخاص، ويكون لهم رؤيتهم في إطار رؤية الدولة وإستراتيجيتها.
إن غالبية برامج الخصخصة تهدف إلى تعزيز التنمية، وتجويد الخدمات، وإعادة توزيع الثروة، غير أن سيطرة بعض رجال الأعمال على الخصخصة، يعيد إنتاج الاحتكارات على نحو جديد ليس فيه اختلاف كبير عما كانت عليه في الماضي، كما أن تحويل الاقتصادات الخدمية وتخصيصها دون رقابة صارمة، وضبط وتدخل من الحكومة عند الضرورة، سيؤدي إلى مجموعة مركبة من الآثار السالبة، وهذا ما لا تقبل به حكومتنا الرشيدة.. لكن من حسنات برنامج التحول الاقتصادي في بلدنا أنه خيار مستقل وذاتي، وليس بتوصية وتنفيذ المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي وتجاربه الفاشلة، وذات السمعة السلبية في العديد من دول العالم، إضافة إلى أن بلدنا يمتلك أصولاً مالية قوية تسمح للدولة بالتدخل الفوري والعاجل عند الضرورة، كما أن برامج الخصخصة في المملكة تحوز على إرادة سياسية واعية وشابة يشرف عليها سمو ولي ولي العهد المشهود له بالانتماء والوطنية والحكمة.