محمد عبد الرزاق القشعمي
سمعت عنه في صغري، عن مكانته الاجتماعية المميزة، وعرفت فيما بعد أنه من أوائل المغامرين من أبناء الزلفي، بل قد يكون من أهل نجد؛ إذ علمت أنه سافر إلى مصر، والتحق بجامعة الأزهر، ودرس هناك، وتزوج قبل الحرب العالمية الأولى، ولكني نسيت الموضوع.
وبعد أن اطلعت على نشرة سنوية، يصدرها أبناء الفراهيد بالزلفي، وجدتهم يفردون له حيزاً كبيراً في مجلتهم (الفراهيد العدد الرابع شوال 1431هـ). ولم يكتف كاتب الموضوع محمد السيف بسرد سيرته، بل عززها بوثائق وصور خطابات، تبادلها مع أمير تبوك سليمان السديري، وأخرى مع أمير حائل عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي بتاريخ 1358 - 1359هـ، عندما كان يعمل أميراً على مركز (مغيرا) التابع لإمارة القريات (مغيرا يقع على الحدود بين المملكة والأردن)، وغيره من المراكز التي تولى إمارتها، وسنأتي بالتفصيل فيما بعد.
محمد بن سليمان بن فرهود بن سيف آل فرهود وُلد في بلدة (علقة) بالزلفي في حدود عام 1295هـ، ودرس في كتّاب عبدالرحمن بن عيد، وعندما شب ذهب إلى الكويت كغيره من أبناء بلدته لطلب الرزق، وعاد بعد فترة لتبدأ رحلته مع (العقيلات) للمتاجرة بالمواشي بين نجد وبلاد الشام والعراق، ومن هناك واصل رحلته إلى مصر حيث طاب له المقام، واستقر بها، والتحق بالأزهر الشريف طالباً، وتزوج فتاة مصرية، اسمها (عائشة عبدالرزاق)، ورُزق منها بابنيه سليمان في حدود عام 1328هـ، وفرهود. ولم يكن ينوي العودة لبلده لولا تفشي وباء الكوليرا الذي اجتاح المنطقة عام 1337هـ، والذي كان يسمى في نجد بـ(سنة الصخنة) أو (سنة الرحمة)، التي مات بها الكثير، ومنهم زوجته وابنه فرهود.
عاد إلى الزلفي مسقط رأسه ليطمئن على أهله، وبرفقته ابنه سليمان الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره. بقي فترة يسيرة، ثم سافر مرة أخرى لطلب الرزق في شمال المملكة بعد ضم حائل والجوف والقريات وطريف إلى سلطنة نجد؛ فتهيأت له فرصة العمل في إدارات الدولة الجديدة لخبرته، ولما اكتسبه من علم ومعرفة خلال بقائه الطويل في مصر.
كان ذهابه لشمال المملكة بغرض التجارة، لكنه سريعاً ما تعرف على السديري أمير الجوف الذي عرض عليه العمل معه. ومنذ عام 1341هـ بدأ الفرهود عمله الإداري؛ إذ أُسندت إليه رئاسة عدد من مخافر الحدود والمراكز الإدارية، التي من أهمها تعيينه أمير على قصر النبك التابع لإمارة الجوف، ومراكز أخرى، لكن أبرز عمل تسنمه واشتهر به هو إمارته على مركز مغيرا؛ وذلك لأن مغيرا يكتسب أهمية من حيث إنه أحد المخافر ونقاط التفتيش فيما بعد بين المملكة والأردن، ويقع في المنطقة المعروفة بالطبيق؛ لذلك يسمى أحياناً بمغيرا الطبيق. وكان توليه إمارة مغيرا عام 1354هـ عندما تولى الأمير عبدالعزيز الأحمد السديري إمارة القريات. وقد اشتُهر الفرهود بجده وحزمه ووفائه لوطنه، وقد بذل ما في وسعه لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة التي تقع تحت مسؤوليته لخبرته ومعرفته بما كان عليه الوضع في السابق قبل تولي الملك عبدالعزيز من اضطرابات واختلال أمن. لقد أحبه الناس، ووثق به المسؤولون لمسارعته في تحقيق مصالح الناس على قدر جهده واستطاعته.
ومن الوثائق التي تركها والرسائل الشخصية يتضح أن ابنه سليمان والشاعر الشعبي الشهير أحمد الناصر الشايع من بين موظفي إمارة مغيرا، من خلال مراسلته مع أمير القريات وإبلاغه بكشف رواتب العاملين في المركز.
ومن بين تلك الوثائق رسالة من معالي أمير تبوك سليمان السديري إلى محمد السليمان الفرهود مؤرخة في 29/ 10/ 1358هـ، يخبره فيها بأنه قد صدرت موافقة المقام السامي بالترخيص بشراء الحبوب من شرق الأردن، شريطة أن يكون بيد الأشخاص الذين يريدون مسابلة شرق الأردن شهادة سعودية، مؤشر عليها من (غلوب باشا) في عمان، أو على قائد المنطقة أو مأمور الجمرك في معان. ويطلب أمير تبوك من محمد الفرهود اعتماد هذه التوجيهات.
وقد ظل محمد السليمان الفرهود في العمل الإداري رئيساً على مركز مغيرا، وخلفه في المركز ابنه سليمان، ثم بندر الخريصي. وبعد تركه العمل الإداري تفرغ للتجارة، واختار المتاجرة بالمواشي بين الأردن وسوريا من جهة والمملكة من جهة أخرى.
وأثناء حرب فلسطين، وبالذات عام 1948هـ، نجده وابنه سليمان ينخرطان في صفوف المقاومة، ويذهبان مع الفدائيين العرب لقتال الصهاينة داخل فلسطين.
عاد إلى مسقط رأسه حدود عام 1369هـ، ولما يتحلى به من أخلاق ومحبة لأبناء وطنه، ولما اكتسبه من الأزهر تعليماً وتأهيلاً، ولممارسته العمل الإداري، فقد نذر نفسه حينما استقر في بلدته (علقة) بالزلفي للتعليم؛ فأنشأ كتّاباً أو على الأصح نواة مدرسة في منزله الكائن في قصر (الرفيعة)، وتحلق حوله عدد من الطلاب الذين تعلموا على يديه مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وشيئاً من أمور دينهم. وقد عُرف عنه أنه كثيراً ما يتحدث باللغة العربية الفصحى، وقد درس على يديه عدد من أبناء بلدته، الذين أسرعوا بالالتحاق بأول مدرسة ابتدائية تفتح رسمياً في علقة عام 1374هـ، وقد تسنم عدد كبير منهم أعلى المراكز العلمية والعملية فيما بعد.
وكان طيلة وجوده في بلدته يختلف إليه الكثير من أصحاب الحاجات لكتابة وصاياهم ومخالصاتهم وأوقافهم، وكان ذا خط جميل، ولديه اهتمام بالشعر والأدب، وكان يقرض الشعر ويقوله، وإن كان مقلاً، وكان معجباً بالشاعر النجدي محمد العبدالله القاضي.
وبعد هذه الرحلة الطويلة، التي امتدت لأكثر من ثمانين عاماً، انتقل إلى رحمة الله يوم الأربعاء 15 ربيع الأول 1372هـ.