د. خيرية السقاف
في الآونة الأخيرة، ولتفشي الجريمة في أمريكا تتجه كما قرأنا بعض الولايات المرتفعة فيها نسبة الجرائم، إلى حظر بيع السلاح الشخصي ذي الذخيرة الحية لمن لا ينتمي لأجهزة الأمن، وقد شهدت، وتشهد فيها الجامعات، ومراكز التعليم إلى جانب مؤسسات مدنية، والأفراد هجوماً بالسلاح ينتشر فيها،..
إنّ الجريمة تتفشى في جميع أنحاء العالم، والمسلحون عصابات وأفراداً بوعي، وبلا وعي تكثر مقاصدهم التي من أجلها يستخدمون السلاح..،
فتلك العصابات المحترفة التي تروّج للرذيلة، ولغسيل الأموال، وللسرقة المنظمة، وللمتاجرة بالمخدرات، والمشروبات الروحية، ونحوها جميعها تستخدم السلاح،
كما أنّ الأفلام بدأت من عقود طويلة، ولا تزال، تنقل واقع الجريمة في المجتمعات العالمية، فالسينما هي المدرسة المنظمة في تعليم الجريمة للمشاهدين، وتدريبهم على سبلها، ومنهجها وأدواتها، وآلياتها، بل أفكارها، وقد تطورت مضامينها بتطور أنواع الجريمة، فأسست لثقافتها بين البشر عامة، ومجتمعنا جزء في هذه الكونية...
وبدل أن يكون السلاح في يد الفرد لقنص الذئب المعتدي على القطيع، أصبح السلاح في يده لقنص أرواح الأبرياء..
وقد أدت آثارها إلى أن أنشئت مراكز علاجية، ونفسية، وتأهيلية في المجتمعات لدراسة، ومعالجة المجرمين، وضحايا نشرهم الفساد الذي هم حطبها، ووقودها....
غير أن لا كابح لانتشار الجريمة في تلك المجتمعات البشرية، لأنّ الدنيا هي دار طموحهم، ومحور حركيتهم، وهيمنتهم، ومنتهى آمالهم،
لا من رادع فكري أخلاقي لسلوكها لأنّ الأخلاق، وما يرتبط بها من المفاهيم، والقيم، والمدارك، والسلوك، إنما هو ثمرة التديُّن، وما يوجده من الضوابط الذاتية، بما يؤسسه العقل من مسالك الفرد..
لذلك تقل الجريمة في المجتمعات الدينية، فلا ما يجرِّئ على استخدام السلاح لأي غرض، اعتداء على الأرواح، لأنّ هذا مضاد للخشية، والوعي، وحضارة النفس، وصفاء العقل، وما يجرئ فيه ما ينم عن فساد هذا المكنون في المجرم.
من المؤسف أنَّ زَحْفَ المتغيرات إلينا، كان بينها خضوع عديد من الأفراد جراء الانفتاح الذي أريد منه الخير، أن أثر في شريحة من المجتمع الخيِّر كان لا ينبغي أن يلحق بها شره.
على أنّ الجريمة ليست بطولة، وإنما مؤشر يوقظ لمكافحتها، ويدعو لتعاضد كل أفراد المجتمع لأن يضعوا خططاً صائبة للتحكم في التضييق عليها، ولإفنائها من أجل سلم المجتمع، وسلامة الناس، وإعادة المتأثرين منهم لمنظومة الخيرية المعهودة في هذا المجتمع. ذلك بعد أن تعرف الناس أنواع الجريمة، وعرف الضعفاء منهم سبلها، وأدواتها، فذهبوا يعيثون بالأمهات، وبالمصلين، وبأئمة المساجد، وبالأطفال، وأخيراً بإدارة التعليم في جازان فذهب ضحية السلاح ذي الذخيرة في يد العابث ستة موظفين وجرح اثنان في وضح النهار..
ومهما كانت الدوافع فإنّ انتشار السلاح في أيدي الأفراد، قد أقرّت الأنظمة تقييده، وتنظيمه، والمساءلة عنه. لذا أيضاً لا ينبغي أن يكون لعبة في أيدي المتهورين، كما لا ينبغي أن تمر هذه الوقائع بجميع شرائح المجتمع مروراً عابراً، بل ليتفق الجميع في الأحياء لإعادة الجار المربي، والشارع المدرسة، والصاحب الأب، والبيت المتلاحم، والوالدين القريبين من أبنائهم، والأسرة المتلائمة المتكافلة.
فمجتمعنا ينبغي أن يعود لخيريّته، وهي لا تتصادم مع كل رغبات، وسعي الجميع من أجل مواكبته لكل جديد، والعمل على أن يكون مجتمعاً ناجحاً، متجدداً، فاعلاً، متطوراً، سالماً، وآمناً من شر المتغيِّرين من أبنائه.