خالد بن حمد المالك
أصبح واضحاً أن المملكة هي من تقود التوجه نحو النزول إلى الأرض السورية للقضاء على داعش بقوات برية خاصة لا تقتصر على دول المنطقة كما كانت تسوق لذلك الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من دول العالم، وكأن داعش تنظيم إرهابي تقتصر آثاره وأضراره على دول المنطقة، فيما أكدت العمليات الإرهابية التي امتدت إلى باريس أن هذا التنظيم الخطير إذا لم تتعاون دول العالم مجتمعة على هزيمته فلن تكون هناك دولة في مأمن منه ومن باقي التنظيمات الإرهابية الأخرى.
***
لقد صحا العالم متأخراً على وقع ما كانت تنادي به المملكة مبكراً من أنه لا خيار ولا بديل عن دخول قوات التحالف الدولية إلى سوريا بمشاركة قوات برية خاصة للقضاء على داعش، بل والإرهاب بمختلف تنظيماته ومسمياته هناك، وأن أي تفكير باقتصار مشاركة القوات البرية على دول المنطقة، هو تسويف وتأجيل إلى حين لحل مشكلة أمنية عاجلة ليس هناك من دولة في العالم بمأمن من أخطارها.
***
خلال تواجدنا في بروكسل، وما استمعنا إليه من العميد الركن أحمد عسيري مستشار وزير الدفاع والطيران بناء على توجيه من سمو الأمير محمد بن سلمان، في إيجازه لنا حول التدخل السعودي المرتقب بقوات برية خاصة لدحر تنظيم داعش، أدركنا بأن المملكة هي من تتبنى الكثير من مبادرات التحالفات العسكرية الإستراتيجية، وهي من يصغي لها العالم، ويتجاوب مع طروحاتها، ويلبي ما تراه من أفكار تصب في الاتجاه الصحيح للقضاء على داعش، فهي باختصار دولة يعتمد عليها، وشريك لا غنى للعالم عنه، وقوة ضاربة يحسب حسابها في أي إجراءات لإنجاح ما هو متداول من مشروعات هدفها حماية العالم من الإرهاب المتنامي.
***
ما يهمني أن أقوله أمام هذا الزخم من النجاحات أن هذه القدرة التي تتمتع بها المملكة في بناء التحالفات العربية والإسلامية والدولية، إنما يفسر مكانة المملكة كدولة قادرة على تجييش دول العالم بتحالفات للتصدي للإرهاب أينما وجد وأينما كان، في ظل قيام دول أخرى كإيران في دعمه ومساندته، وغيابها عن أي مشاركة تفضي إلى إضعافه أو القضاء على الإرهاب، وهو موقف واضح وينسجم مع استثمارها لداعش في الإبقاء على نظام بشار الأسد من خلال دورها في محاولة القضاء على المعارضة السورية المعتدلة بالاعتماد على دعم داعش وتعاونه معها ومع نظام الأسد.
***
المملكة إذاً وكما فهمت سوف تركز مشاركتها البرية الخاصة على سوريا، ويأتي الحضور البري السعودي متزامناً مع الضربات الجوية السعودية للإسراع في القضاء على هذا التنظيم الإرهابي الخطير، بعد أن تبين أن روسيا لا تستهدفه بقدر ما تستهدف القوات المعتدلة المعارضة لنظام بشار الأسد، وبعد أن تأكد أن النظام وإيران وحزب الله يتعاونون معاً لإبقاء فرصة أمام النظام الوحشي للاستمرار في قتل الشعب السوري الشقيق، حتى وإن كانت فرصته أن يبقى محدودة ولن تطول.
***
وجهود المملكة لمحاربة الإرهاب لن تقتصر على مشاركتها المنتظرة في منظومة التحالف الدولي، فقد قامت من قبل بخطوة رائدة وغير مسبوقة بإنشاء تحالف اسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب، وقبل ذلك قيادتها للتحالف العربي الذي يعمل بنجاح مطرد لإعادة الشرعية والأمن والاستقرار في اليمن، غير أن دخول قوات المملكة البرية إلى سوريا مرهون بالتوافق بين دول التحالف، وحين يتخذ التحالف الدولي قراراً بذلك، تكون الخطوة التالية والمهمة أن تتواجد القوات البرية فعلياً على الأرض، ومن ثم بدء العمليات العسكرية لهزيمة داعش وأي تنظيمات إرهابية أخرى قد تكون موجودة هناك.
***
ونتفق مع قول العميد الركن أحمد عسيري لقناة الإخبارية من أن المملكة دولة محورية وأساسية في المنطقة وفي العالمين العربي والإسلامي، وأنه لا يمكن أن تتشكل مثل هذه التحالفات، أو يتم التوافق على أي شيء بينها، دون أن تكون المملكة جزءاً من هذا التحالف الدولي، فالمملكة لديها تجارب سابقة كالتحالف العربي لحماية الشرعية في اليمن، والتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، ومثلما قال العميد عسيري فإن الجميع يثق بالمملكة ورؤاها، وبالتالي فالدول الإسلامية تجد نفسها مع المملكة، وتتفق مع أي من طروحاتها.
***
أجل، فاعتماد العالم على المملكة في أي تحالفات، والاصغاء لوجهات نظرها في أي موقف، واحترامها لما تلتزم به، إنما ينبع من الثقة بقدراتها العسكرية والاقتصادية، واحترامها للمواثيق الدولية، ومصداقيتها بما تلتزم به مع دول التحالف، بوصفها شريكاً يعتمد عليه، ودولة لا غنى عنها في أي ترتيبات للقضاء على داعش، وامتداداً على الإرهاب أينما وجد، وكل ذلك وإن حمَّل المملكة مسؤوليات جسام، إلا أن هذا قدر كل الدول الكبرى، فالمملكة دولة كبرى لا يسمح لها تاريخها وعقيدتها بأن تتخلى عن دورها، أو أن تهادن دولاً كإيران تدعم الإرهاب وتعمل على تقويض الأمن في دول المنطقة وفي العالم.