د.ثريا العريض
رغم أننا في حالة استنفار وحرب وإعادة هيكلة مستمرة وتحول, إلا أن قضية مجتمعية مهمة شغلت اهتمام الساحة الإعلامية والعامة في الأيام الماضية: هي ما حدث لشابة في مول النخيل.
التفاصيل معروفة وشبه متكررة الفحوى المؤلمة: منسوبو هيئة رسمية يتعرضون لمواطن/ة, ووسائل التقنية الحديثة تسجل التعدي على الضحية. وقد تفضلت الهيئة مشكورة بالاعتراف بخطأ منسوبيها!
ثم ماذا؟؟ أتوجس من تداعيات المستقبل مجتمعياً وأمنياً!
مسألة الأمن والأمن الفكري تشغل بالي باستمرار.
ومثل أم مسؤولة تتفقد أوضاع المنزل والشارع لتحمي أبناءها من الخطر, أرى بعيني زرقاء اليمامة مسببات الخطر الذي يهدد الوطن, ليس فقط من مصادر بعيدة كعدو خارجي يترصدنا بغزو أفكار أبنائنا وبناتنا، بل أيضاً من مصادر داخلية تجبر المواطنين على تحمل سوء المعاملة وتحرمهم من الاحترام المفروض عند التعامل مع أي فرد.
وحين يتعلق الأمر بالأمن فإن أسوأ الأوضاع أن يتصاعد الشعور العام بأن «حاميها حراميها»، حين يتكرر افتقاد الفرد الشعور بالأمن والحماية بسبب سوء تصرف من أُوكل إليهم حمايته وتغولهم ضده.
ومتى ما اهتز شعور الفرد بالأمن اهتز أيضاً اعتزازه بالانتماء.
أنا مع بناء كل مستلزمات الأمن وما يتعلق بها. وبودي أن أرى رجاله يقومون بحماية المواطن حين يعتدى عليه. ولأبدأ بأنني نيابة عن كل مواطن واع ومحب للوطن أشكر حارس الأمن «مبارك الدوسري».. شاب يستحق التكريم رسمياً وشعبياً، لأنه وضع قيمة الإنسان فوق قيمة حماية نفسه خوفاً من التغول المؤسساتي.
مثل مبارك الدوسري أرى أن ثمة شيئاً فادح الخطأ هنا؛ مسؤول رسمي يعتدي على مواطن متجاوزاً الإجراءات الرسمية. والمهدد فعلاً ليس فقط مواطن أو مواطنة أو مجموعة أفراد! بل الذي سيدفع الثمن هو استدامة استقرار الوطن.
انتبهوا جميعاً من أعلى القمة في وزارة الداخلية إلى قاع الأرض الذي سحبت عليه امرأة بعد ضربها: الوطن هو إيمان المواطن بالانتماء ولا يستدام إلا باستدامة شعوره بالاحترام على أرضه.
تذكرني الحادثة المتكررة بقضية حدثت بعيداً في تونس قبل أربع سنوات: شرطية تونسية شابة صفعت شاباً يسترزق ببيع خضار على عربية يدفعها في ميدان عام غير مسموح البيع فيه. الشرطية بعثرت الخضار على الأرض، والشاب متألماً لكرامته أحرق نفسه.. والباقي سجله التاريخ.
انتبهوا لأمن الوطن فكرياً ومادياً من الداخل: ضرب الهيئة لشابة مول النخيل وسحبها على الأرض لا يختلف عن صفع الشرطية التونسية للشاب بوعزيزي وبعثرة عربة خضاره على الأرض.
باختصار لنستفق لحقيقة بسيطة أثبتها تاريخ البشرية: حب الوطن وولاء المواطن يتوازى مع الشعور باحترامه. والمواطن الذي أصررنا على تعليمه ليس قاصراً عن معرفة الصح من الغلط, فلِمَ نجبره على ابتلاع فكرة مسممة «أنتم مجتمع حيواني يحتاج إلى شكم وإملاء ما تفعلون وما لا تفعلون»؟ وبدون هذا ستمتلئ الشوارع باللقطاء».
لا يسود الشعور بالانتماء والولاء لوطن في أي موقع وزمن تتغول فيه مؤسسات محسوبة على حماية المجتمع فتتحول إلى آلة عنيفة لجهة لا يهمها سوى أن تحمي موقع تسلطها والتحكم بأي طريقة. أنا مع بناء مؤسسات الأمن الداخلي وكل مستلزمات تتعلق بها وتدريب وتمكين رجالها. والهدف أن يقوموا بحماية المواطن حين يعتدى عليه.