د. محمد عبدالله العوين
أعلنت المملكة على لسان العميد أحمد عسيري مستشار سمو وزير الدفاع أن المملكة قررت المساهمة مع التحالف الدولي بقوات برية لمحاربة الإرهاب في سوريا واجتثاث داعش من الرقة عاصمته المزعومة وسائر المدن والقرى التي احتلها في سوريا، وأن هذا القرار «نهائي ولا رجعة فيه»!
وكان وزير الخارجية عادل الجبير قد صرح مرات عدة بأن المملكة لن ترضى بوجود بشار الأسد حاكماً لسوريا بعد أن دمر بلاده وقتل شعبه وهجره إلى منافي العالم، وأن وجوده على رأس السلطة مغناطيس لجذب الجماعات الإرهابية وتكونها، وهو داعم لعدد منها، ولا بد أن يدع سوريا للسوريين ويترك السلطة سلماً أو حرباً، وحين سئل: كيف يمكن أن يترك السلطة حرباً؛ أجاب بعبارة واحدة موجزة اختصرت ما وصل إليه المجتمع الدولي الآن بضرورة التدخل البري في سوريا لاجتثاث داعش؛ بقوله «بتشوفون»!
هل حان موعد أن «نشوف» تدخلاً دولياً برياً بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة دول عربية وإسلامية فيه وعلى رأسها المملكة؛ لإنقاذ المنطقة من خطر الإرهاب والجماعات الإرهابية، وعلى رأسها «داعش»؟!
وهل يمكن لنا أن نقول إن ما يجري على حدود المملكة الشمالية الشرقية من تحشيد عسكري هائل ممثلاً في مناورة «رعد الشمال» الضخمة تهيئة وتحضير للتدخل البري الوشيك؟!
ولا شك أن تجمعاً عسكرياً هائلاً مكوناً من ثلاثمائة وخمسين ألفاً من المقاتلين المزودين بأحدث المعدات العسكرية والخبرات المدربة من خمس وعشرين دولة عضواً في التحالف الإسلامي في حفر الباطن على الحدود الشمالية الشرقية للمملكة سيثير الرعب في نظام يهتز ويكاد أن يتهاوى، أو على وشك السقوط، وكاد أن يسقط أكثر من مرة لولا أن أنقذه الحليف الروسي قبل سنة وأوقفه على ساقيه الهزيلتين اللتين لم يستطع النظام الإيراني ولا يده المجرمة «حزب الله» ولا المليشيات الأخرى الطائفية التابعة لملالي قم إنقاذه؛ على الرغم مما اقترفوه جميعاً من جرائم القتل الجماعي للسنة على الهوية والتدمير الكامل لمدنهم وقراهم والتهجير الشامل لهم إلى تركيا وغيرها.
إن فكرة التدخل البري الدولية العربية الإسلامية تستحق التشجيع والدعم والثبات والعزيمة القوية؛ لتحقيق الأهداف التي نطمح إلى تحقيقها نحن العرب والمسلمين؛ لا الأهداف التي يسعى لتحقيقها التحالف الدولي؛ فمن المعلوم أن لأمريكا والدول الأوربية الدائرة في فلكها أهدافاً، ولنا نحن غايات وأهداف، نلتقي معهم في بعضها ونختلف في بعضها الآخر؛ لكن مما يتفق الجميع على محاربته واجتثاثه تلك الجماعات الإرهابية التي تشكل الآن خطراً على العالم كله، بما في ذلك دول الغرب والشرق، بغض النظر عمن أسهم في تنشئة بعضها كـ» داعش» و»القاعدة» في مرحلة من المراحل لتحقيق خطط معينة باء بعضها بالفشل، وتحقق بعضها، ولكن الأمر المتفق عليه أن غايات الفكر الإرهابي أبعد بكثير مما يظن من ساعده على التكون والتمدد، فليس من أهداف الفكر الإرهابي الكمون في مناطق تكوينه؛ بل التمدد إلى آخر نقطة في هذا العالم، ولهذا وصل شره إلى أوروبا وأمريكا، وليس إلى البلاد العربية والإسلامية فحسب؛ كما كان يظن منشئوه أن في وسعهم الحد من تمدده وانتشاره أو القضاء عليه متى ما انتهت مهمته في نشر الفوضى؛ لإعادة رسم خريطة المنطقة كما زعموا!
لقد أعلنت أمريكا وأوربا أنها تسعى لمحاربة داعش وشكلت التحالف الدولي قبل سنة الذي تكون من ستين دولة، وكان جهده الحربي قائماً على الضربات الجوية؛ ولكنه لم يحقق شيئاً يذكر ينهي أو يوقف تمدد التنظيمات الإرهابية في سوريا أو العراق، وأعلن الروس أنهم بتدخلهم في سوريا يحاربون «داعش» ولكنهم يكذبون ويرفعون تلك اللافتة المزورة التي تدعي حرب داعش وهم يقتلون الشعب السوري ويدمون المدن والقرى التي يتواجد فيها مقاتلون من تنظيمات مختلفة ليست داعشية ولا نصرة؛ بل من الجيش الحر وغيره، وأحياناً لا وجود مطلقاً لأية تنظيمات تحارب نظام بشار؛ تفعل روسيا ذلك تحقيقاً لهدف بعيد - ربما تلتقي فيه مع أمريكا وأوربا - لتطهير وإجلاء السنة من مدن وقرى عديدة محاذية للشريط الساحلي العلوي؛ كي تكون منطقة واسعة ممتدة خالصة للنظام، ولذلك أباد القصف الروسي الوحشي ودمر وهجر مئات الآلاف من سكان حلب وغيرها.
وما دام أن روسيا مستميتة للدفاع عن نظام بشار ولا تحارب داعش كما تدعي؛ بل تحارب الجماعات المعارضة المعتدلة؛ فكيف للتدخل البري الدولي أن يضمن عدم المواجهة الحربية مع الروس على الأرض السورية؛ لاختلاف الأهداف وافتراق الغايات؟! وهل يمكن أن يشكل التدخل البري شرارة إشعال حرب عالمية ثالثة كما ادعى رئيس الحكومة الروسية «دمتري ميدفيديف»؟!