فهد الحوشاني
اعتراف الهيئة في بيانها الذي صدر بعد حادثة فتاة النخيل هو أمر مقدّر وجيد، وهو تحوُّل نحو الشفافية المطلوبة مع القضايا بعد زمن لم يكن فيه لا اعترافات ولا تحقيقات! لكنه لا يكفي، فما الفائدة إذا كانت الهيئة ستطل علينا بوجه المعترف المعتذر لتقف إلى جانب من وقع عليه الظلم والحيف، وفي نفس الوقت يستمر بعض أعضائها يرتكبون
التجاوزات! فاستمرار الأخطاء وبالتالي الاعترافات والاعتذارات لن يكون في النهاية من صالح الجهاز! ثم إلى متى الهيئة توظف أشخاصاً يجلبون لها الصداع ويجلبون الخوف للمجتمع، ويشعلون مواقع التواصل الاجتماعي في مناقشات صاخبة عن الحريات وعن حقوق الناس وكرامتهم! الهيئة لا يجب أن تكون ضماناً اجتماعياً لمن لم يجد وظيفة، بل عليها أن توظف الأكفاء أهل العلم والسماحة والرفق وينتسب إليها الكثير منهم، والذين يمثلون الوجه الجميل لهذا الجهاز بتصرفاتهم، وقدرتهم على التعامل مع الناس بالرفق والموعظة الحسنة.
ولديّ قناعة تامة بأنّ هيئة الأمر بالمعروف لها أدوار جيده تؤديها في المجتمع لكن ذلك لا يكفي! وأعتقد أنّ أول الأمور التي يجب تصحيحها وتفكيكها والخلاص منها، هو ربط عمل الهيئة بالاحتساب وبأنهم رجال حسبة!! فعمل أعضاء الهيئة ليس احتساباً، لأنه عمل في جهة حكومية يتقاضى عليه الموظف راتباً في نهاية الشهر! ثم منذ متى كان الاحتساب يشتمل على التهجم على الناس واستسهال الاعتداء على كرامتهم وحرياتهم!
ولعل تسميتهم بالمحتسبين وإضفاء هالة من الاحتفاء والتبجيل لعملهم، ورفع الدعاء لهم في المنابر دون غيرهم من موظفي الدولة، هو ما أعطى بعضهم تلك الجرأة على الناس! ثم لماذا الدعاء من فوق المنابر حكر على موظفي الهيئة دون غيرهم من الموظفين! رغم أنهم في النهاية موظفون لا فرق بينهم وبين غيرهم، في نهاية الشهر يقبضون رواتبهم! لماذا مثلاً لا يدعى في المنابر للمعلمين وهم (أول حراس للفضيلة ومعلمو الأخلاق)؟ ولماذا لا يدعى للأطباء وجنودنا البواسل وسائقو الإسعاف، وأفراد الشرطة وهم يباشرون من الحوادث والجرائم أكثر مما تباشر الهيئة؟، وغيرهم من الموظفين في الجهات الحكومية التي تخدم المواطنين! بل يصل الأمر إلى أن يشكك في دين وذمة كل من يناقش أخطاءهم! قبل أن أكتب هذا المقال كتبت في مجموعة (واتس أب) عن حادثة فتاة النخيل والتي يندى الجبين لما حصل لها، وتأبى المروءة أن تتفق مع تصرفات من قاموا بهذا العمل المشين، الذي تلقفته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بالكثير من الجدل والنقاش، وأكثر تلك التعليقات ما يصدر عن أعداء هذا الوطن، ويسجلون مثل تلك الحوادث ليصموا مجتمعاً بأكمله بما ليس فيه! عندما كتبت شيئاً حول موضوع فتاة النخيل في (القروب) تصدى لي أحد الأعضاء في نقاش لم أستبين أبعاده إلا عندما قال لي إن الهيئة خط أحمر! قلت له ولماذا هي خط أحمر! ومن الذي خططها باللون الأحمر دون غيرها؟! ولأنه من نفس فئة أنا مع (غزية ان غوت وان ترشد غزية أرشد)! لم يرد أن يحاورني فغادر المجموعة رافضاً النقاش انتصاراً للهيئة رغم الخطأ الذي ارتكب بحق الفتاة والاعتراف الرسمي الذي لحق ذلك!
الهيئة هذا الجهاز الحكومي يحتاج إلى إصلاحات ووضوح صلاحيات، وأن تكتب مهام أعضائه في أماكن عملهم في الأسواق والمنتزهات! وأن لا يكون لهم سلطة القبض والملاحقة، فهذا إجراء يجب أن تتولاه الشرطة بما لها من صلاحيات وقدرة على مباشرة الحوادث! لكن مباشرة أعضاء الهيئة للحوادث والقضايا والاشتباك المباشر وخوض العراك غالباً ما يسبب الكثير من الأذى لهم ولغيرهم! وأعيد أن للهيئة أعمالاً إيجابية كثيرة لكن الأعمال الإيجابية لأي جهاز حكومي واجب مفروغ منه، لكن وقوع الأخطاء هو ما يزعج الناس!
البيان الذي أصدرته الهيئة ليس كافياً، حيث لم يحتو على أسماء موظفيها المخالفين ولا على نوعية العقوبات التي أصدرت بحقهم، وهذا نوع من الغموض الذي يتنافى مع ما نتوقعه من الحزم والعزم في من يسيء لمواطن أو مواطنة! إنّ كرامة المواطن ليست محل تجارب ولا اجتهادات لا للهيئة ولا غيرها! وعقوبات الموظف الذي يخالف مهام وظيفته صدرت في المرسوم الملكي رقم 43 وتاريخ 29-11-1377هـ، وهي المرجع في مثل هذه التجاوزات التي نأمل أن لا تتكرر.