د.عبدالمحسن بن محمد الرشود
لقد كان ملء السمع والبصر وعطاءً متقداً ليس له نظير وحباً لهذه البلاد لا يفتأ يزداد اشتعالاً وولاءً، نذر الشيخ عبدالرحمن الرويشد نفسه للعلم والمعرفة والإبداع والمطابع والتأليف والتحقيق والتأريخ منذ أن غادر الرياض إلى دار التوحيد بالطائف مع طلائع الشباب الذين كانوا النواة الأولى لطلبة العلم والمعرفة والمشاركة في التنمية في المملكة العربية السعودية في الخمسينيات الميلادية والسبعينات الهجرية، ومنهم عبدالله بن خميس وعبدالرحمن الرويشد وعبدالعزيز السالم وصالح بن رشود وناصر بن خنين وعبدالعزيز أبو حيمد وعبداللطيف بن رشود وعبدالعزيز الحميدي وراشد بن خنين وعبدالعزيز المسند ومحمد الدريبي وعثمان الحقيل وغيرهم من الطلاب من منطقة نجد عندما تم بعثهم إلى دار التوحيد بالطائف التي كانت الشرارة الأولى في إضاءات العلم والمعرفة ضد الجهل والتخلف والإقبال على حياة جديدة متواكبة مع المعطى العربي في مصر الملكية والناصرية وانفتاح المغرب العربي على الثقافات الفرانكفونية واللغة الفرنسية والثورة الجزائرية وحكايات الأدب العربي بدءاًَ من شوقي مروراً بأبي القاسم لتغرد في الطائف مع شبابنا الشعراء ومنهم عبدالله بن خميس وعبدالرحمن الرويشد وعبدالعزيز الرويس وحمد الحقيل وعبدالله العثيمين وغيرهم.
تتلمذ عبدالرحمن الرويشد على يد الشيخ محمد بن إبراهيم وغيره من علماء عصره ولحقته حرفة الأدب بل تجاوزها إلى الفكر والإبداع وعلى الرغم من تفرغه لإدارة المعهد العلمي بالأحساء والعودة إلى الخدمة العلمية في وزارة المعارف حديثة النشأة آنذاك إلا أنه اتخذ طريقاً للثقافة يختلف عن غيره فجمع بين التوجهات الدينية المحضة المعروفة آنذاك بالسلفية وما زالت والفلسفات العربية المعاصرة في ذات الوقت الذي قرأ فيه المترجمات العالمية ولا سيما في علوم الدين والاجتماع والنقد والأدب العربي، واستمر الرويشد يغذ السير في مختلف العلوم الفكرية الإنسانية المعاصرة حتى وجد ضالته في التاريخ بصفة عامة وتاريخ الدولة السعودية والأسرة السعودية المالكة تحديداً.
كتب الرويشد في العديد من الصحف السعودية ورأس تحرير مجلة الدعوة وخرج بها إلى أسلوب صحافي معاصر يقوم على الحوار والمناقشة وربط الدين بالقضايا المعاصرة وانفتاحه على الثقافات الأخرى بعيداً عما كان يخشى منه كالماسونية والغزو الفكري والتوجس من الآخر، كان المكان الطبيعي لأمثال هؤلاء الشباب الطلائع هو وزارة المعارف التي عمل بها الرويشد ومثل العديد من المحلقيات فيها وشارك في إعداد المقررات المدرسية في ذلك العصر وبقي مع العلم والتعليم حتى استدعاه مجلس الأمن الوطني ليكون كبير مسشاريه وحصل على جائرة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لدراسات تاريخ الجزيرة العربية ووسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى ومن مؤلفاته (الستون رجلاً خالدو الذكر) و(قصر الحكم في مدينة الرياض) و(إمارات اليمامة من حكم الفوضى حتى قيام الدولة السعودية) و(الجذور الأصلية للتعليم في وسط الجزيرة العربية).
وفي عام 1402هـ تعرفت على الأستاذ عبدالرحمن الرويشد الذي كان بالنسبة لي أباً ومعلماً ونبراساً في النجاح والتفوق والوطنية وحب هذه البلاد وولاة أمرها أسقاني هذا الولاء سقياً لا مثيل لها وعلمني كيف يكون الحب للبلاد وبرائدها عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي كان مفتوناً به وبدهائه وعبقريته ودينه وشخصيته الفذة.
وفي مطلع الثمانينات الميلادية أنشأ الأستاذ عبدالرحمن الرويشد مجلة الشبل للأطفال بدعم كبير من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- وبقي منافحاً عن هذه المجلة إلى يومنا هذا.. كما هو مشارك ويشارك في أعمال دارة الملك عبدالعزيز وليعذرني القارئ حيث لم أتطرق لمؤلفات الرويشد وإبداعاته ومواقفه وجوائزه فلربما تكون في مقال آخر.
عبدالرحمن الرويشد الذي حفيت قدماه من ارتياد مكتبات لندن وإستنابول والقاهرة وبيروت وصنعاء وفرانكفورت.
ولقد شرفه خادم الحرمين الشريفين بزيارة له في مستشفى التخصصي واطمأن عليه لما له من دور عظيم في التاريخ السعودي المعاصر وكذلك زاره صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية محمد بن نايف بن عبدالعزيز وصاحب السمو الأمير عبدالعزيز بن محمد بن عياف آل مقرن آل سعود أمين مدينة الرياض سابقاً.. ومعظم أصحاب السمو الأمراء والعلماء والوزراء وأصدقاء أبي إبراهيم.
الآن أبو إبراهيم يرقد على السرير الأبيض مناهزاً التسعين عاماً فلنسأل الله له العافية وطول العمر وأن يشفيه مما به إنه جواد كريم.