أ. د.عثمان بن صالح العامر
أحياناً تعود طفلاً كبيراً، تحاصرك أسئلة عرضية غريبة، وليس جزماً أن لها صلة بما حولك، أو أنها تهمّك وتقلقك وتشغل بالك في أوقات متباعدة وبشكل دائم، بل ربما حالها معك كمن يسلم على آخر فيسأله عن حاله وحال أهله ومن خلفه، وهو هنا لا يبحث عن إجابة دقيقة؛ فالأمر لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد، وإنما فقط ليجد طريقاً يعبر منه لِيَلِج إلى موضوعه الأساس الذي يريد أن يحدثك عنه، أو يستشيرك فيه، أو يطلب مساعدتك لإنجازه.
هذا المساء صرت في خانة الفلاسفة الذين هم في عرف البعض «أطفال كبار، يَقْلقون ويُقلقون» فيبعثون الأسئلة المفتوحة من أجل الإثارة ولفت الانتباه ليس إلا، ومن بين ما عَنَّ لي لحظة تسطير هذه الكلمات:
# كم نسبة من هم في سن الشباب في المجتمع السعودي، وأين هذه النسبة المرتفعة من قاموس الرئاسة العامة لرعاية الشباب؟
# إلى متى ومراكز البحوث والدراسات الفكرية والعقدية والسياسية المتخصصة والرصينة التابعة للمؤسسات الأهلية والقطاع الخاص لا وجود لها في خارطتنا العلمية، مع أهميتها البالغة خاصة هذه الأيام؟
# لماذا جامعة الإمام محمد بن سعود «الإسلامية»، والجامعة «الإسلامية»، فمؤسسات الدولة كلها المفترض فيها أن تكون رؤيتها ورسالتها وأهدافها وصبغتها ومضامينها وأطرها ومفاصلها وإستراتيجياتها المستقبلية وأعمالها الحالية ذات صبغة إسلامية دون أن يكون هذا النعت الذي قد يكون له مبرره حين كانت هاتان الجامعتان - على وجه الخصوص - تدرِّسان فقط العلوم الشرعية واللغة العربية، أما وقد تغير الحال فلتكن جامعة المدينة وجامعة الإمام.
# لماذا تفتح المكتبات العامة التابعة لوزارة الثقافة والإعلام أبوابها، ويُفرغ لها موظفون صباح مساء، ويصرف عليها من المال العام بلا عائد يذكر؟
# لماذا تستمر بعض صحفنا الورقية في الصدور وهي في حكم الميتة التي انتهى عمرها الافتراضي في ظل سوق تنافسية عالية، وانفتاح فضائي صاخب وساخن؟
# إلى متى والاستراحات الشبابية والعائلية التي يؤجرها أصحابها بلا نظام أمني دقيق، تتحدد على ضوئه المسئوليات، وتتبين الواجبات التي تجعل الكل يستشعر أنه هو في ذاته شريك حقيقي لضمان استمرار هذه النعمة التي نرفل بها ويحسدنا العالم كله عليها؟
# هل من نظرة حانية أصحاب المعالي الوزراء «الخدمة المدنية والمالية والتعليم» لحراس مدارس البنات الذين يستيقظون قبل الفجر، ويذهبون هم وزوجاتهم للمدارس قبل أن تحضر أول طالبة، ويظلون مرابطين حتى يودعوا آخر المغادرات أسوار المدرسة النائية، والراتب في نهاية الشهر لا يفي بمتطلبات الحياة الصعبة، بل ربما لم يستطع أن ينهض بهم ليتجاوزوا خط الفقر!؟
# إلى متى وخريجو المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني سبب رئيس لرفع معدل البطالة في المجتمع السعودي، مع أن المفترض، وما أراده المخطط والمشرع أن يكونوا هم مفتاح العمل وبوابة الأمل بعد الله للنهوض بالقطاع الصناعي المنتج، ومن ثم تخليص مراققنا الصناعية والخدمية من حجم العمالة الأجنبية الذي أرهق وما زال اقتصادنا السعودي؟
# إلى متى وشريحة من رجال الأعمال وسيداته، ومؤسسات القطاع الخاص وشركاته - الذي يراهن عليه من قبل المنظرين والمحللين السياسيين والاقتصاديين في المشاركة الحقيقية والفاعلة لتحقيق النقلة النوعية لاقتصادنا الوطني - ما زالوا لم يستشعروا مسئوليتهم الاجتماعية بالشكل الذي يتطلع له ولي الأمر، وينتظره المواطن البسيط، ويتوق له وينشده الوطن بكل مكوناته وبجميع محدداته.
# إلى متى والبعض منا لم يعرف بعد خطورة الكلمات التي يغرد بها أو يسطرها في صفحات الصحف والمجلات، أو ينشرها في العالم الافتراضي الفسيح عبر مواقع التواصل الاجتماعي المشرعة للجميع، ولماذا نعمة الأمن الوطني - بدلالة هذه المفردة الشاملة ومفهومها الواسع - هي رخيصة عند هؤلاء البسطاء المحدودي التفكير؟
# إلى متى وعدد من مدارسنا في المباني المستأجرة، يدرس فيها أولادنا وسبق أن درس فيها إخوتهم الذين هم اليوم على أبواب التخرج في الجامعة، مع أن كل وزير للتعليم يأتي يبشر بأنه قاب قوسين أو أدنى من التخلص بشكل شبه نهائي من جميع المباني غير الحكومية؟
# التخطيط ليس مطلباً ملحاً خاصاً بالمؤسسات الحكومية والخاصة فقط بل هو أمر ضروري في البناء الأسري والكيانات العائلية، فإلى متى وأسرنا ومساكننا وحياتنا الزوجية بلا تخطيط، وليس في أجندتنا أولويات «ضروريات وحاجيات وتحسينيات»، ولا وجود للميزانية العائلية التي تجمع «الانفاق والادخار والاستهلاك» في مفرداتها الشهرية؟