أ. د.عثمان بن صالح العامر
على وجه العموم لا مندوحة من الخطأ ولا مفر منه أبداً، فكل بني آدم خطّاء، ولكن جزماً ليست الأخطاء التي نقترفها ونواقعها نحن البشر واحدة ومتساوية في نظر الناس فضلاً عن ميزان الله، إذ إنّ منها ما هو ذاتي، ومنها ما ضرره متعدٍّ، وهناك أخطاء نرتكبها سراً وعلى الضد ما يكون منّا جهاراً نهاراً أمام أعين الناس وفي ملتقياتهم ومجامعهم، ومنها ما هو ديني وآخر سياسي، ومنها نخبوي ويقابله الجماهيري الذي يعدّ في نظري أكثر الأخطاء خطراً وأعظمها إثماً وأشدها فتكاً وأقواها أثراً في المجتمعات وعلى الشعوب، والتاريخ شاهد، وفي الواقع المعاش الدليل والبرهان.
والمتابع والراصد والمتأمل يدرك أن الأحداث التي نمر بها اليوم كشفت لنا جميعاً بلا استثناء حجم المؤامرة التي تحاك لعقيدتنا، لمقدساتنا، لتراب أرض بلادنا الطاهر، لولاة أمرنا، لعلمائنا، لأهلنا وذوينا، لأولادنا وأحفادنا، لممتلكاتنا وثرواتنا، كما ظهر جلياً لكل ذي لُب وصاحب عقل خطأ عدد من ربابِنَة الكلمة وأصحاب الأقلام والدعاة والمثقفين والأكاديميين، بل بعض العلماء المعتبرين، أقول: ظهر خطأ هؤلاء المبرّزين المشهورين في مواقفهم المعلنة المعروفة إزاء جماعات دعوية أو أحزاب سياسية أو تيارات ومذاهب فكرية، فكانت اتجاهاتهم وانتماءاتهم وولاءاتهم ومواقفهم يوماً ما- وما زالت- سببا للفتنة وانسياق فئام من شباب الوطن وراء رايات ضالة مضلّة للأسف الشديد.
أما وقد انبلج الحق، وظهر الأمر، واكتملت خيوط المؤامرة واقعاً تراه الأعين وتبصره، فإنه - في نظري - من أول الواجبات الملقاة على عاتق هؤلاء الملتزمين بمنهج أهل السنة والجماعة، المنتمين لهذه البلاد المباركة، المملكة العربية السعودية، المنضوين تحت لوائها، المبايعين لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر، بل الواجب في حق غيرهم من دعاة المسلمين ومفكريهم أهل السنة والجماعة سرعة مراجعة أنفسهم وإعلان خطأ قولهم أو كتابتهم أو رؤيتهم واعتقادهم، سواء أكان الأمر في باب الانتماء الحزبي أو الرؤية الفكرية أو الرأي السياسي، أو المراهنة على مشروع وافد يراد له أن يكون أو...
لقد سمعت اليوم - وأنا أفكر في موضوع أكتب فيه- سمعت مقطعاً للدكتور القرضاوي يعود تاريخه لـ31-5-2013م، 20 رجب 1434هـ حيث نظّم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مهرجاناً في الدوحة للتضامن مع الشعب السوري، في هذا المقطع أعلن القرضاوي خطأه في مناصرة حزب الله والدفاع عنه، وتبنيه مشروع التقريب بين المذاهب الإسلامية خاصة أهل السنة والجماعة والشيعة، واعترف قائلاً: «وقفت ضدّ المشايخ الكبار في السعودية داعياً لنصرة حزب الله قبل سنوات مضت، لكنّ مشايخ السعودية كانوا أنضج مني وأبصر، لأنهم عرفوا هؤلاء على حقيقتهم (الإيرانيون وحزب الله) هم كذبة». وهذا ما دعاني للكتابة في هذا الأمر المهم والخطير.
شكراً للشيخ القرضاوي هذا الاعتراف الشجاع، ولكن.. ليس هذا فقط ما يحتاج إلى مراجعة وإعادة تفكير، سواء من قِبَل القرضاوي أو غيره ممن انبروا لمناقشة ملفات المسلمين الساخنة ومطارحة قضاياهم العامة، السياسيّة منها والفكرية، أو حتى الاقتصادية والفقهية، بل هناك آراء وتوجّهات كثيرة وخطيرة مبثوثة هنا وهناك تحتاج إلى التوبة منها، وصدق التخلّي عنها بكل صراحة وشفافية ووضوح، وإعلان الخطأ فيها بأمانة وإخلاص، والصدع بالحق والاعتراف به، خاصة بعد أن انجلت الأمور وتكشّفت ولم يبقَ إلا الرضوخ للحق والسير في ركبه. يفعل هذا فلان من المعنيين بهذا الأمر ابتغاء وجه الله أولاً، وحرصاً على سلامة دينه ثانياً، وحفاظاً على وحدة أمته ثالثاً، وضماناً لاستمرار ما ترفل فيه بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية من أمن وأمان وطمأنينة واستقرار رابعاً، ورغبة في انتصار الحق الذي ندين الله به في معركته التي يخوضها اليوم ضد جحافل الباطل في شرق بلاد عالمنا العربي وغربها شمالها وجنوبها خامساً وسادساً وسابعاً...، حفظ الله قادتنا، وحمى بلادنا، ونصر جندنا، وأذل أعداءنا ، وأدام عزّنا، ورزقنا شكر نِعَمه، وأبقى لحمتنا ووحدتنا والتفافنا حول أمرائنا وعلمائنا، ووقانا جميعاً شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.