عبد الله باخشوين
.. ما زلت أذكر (فريق كرة القدم) ذاك.. فهو كبير وعريق.. وله جمهور عريض - لن أذكر اسمه - لأننى سأتخذه مثالاً ولن أتحدث عنه.. لأن الكلام هو عن بعض ماضيه فقط.
هذا الفريق قبل أكثر من عشرين سنة.. تعرض لنكسة خطيرة.. بعد أن تشتت لاعبوه وأصبح على حافة الإفلاس.. ووصل به الأمر إلى حد جعل بعض الإداريين (المخلصيين والمتحمسيين) يحندون بعض المشجعين وهم يقولون (همتكم ياعيال).. فينطلق (العيال) قبل المباراة بعدة ساعات بـ(دباباتهم) للبحث عن بعض اللاعبين الذين تخلفوا عن الحضور.. فيجوبون شوارع وأحياء (جنوب جدة) ويسألون عنهم في بيوتهم وبيوت أصدقائهم.. إلى أن ينجحوا في جمعهم وإردافهم خلفهم على (الدبابات) ويحضرونهم للنادي.. وقيل أيامها أن سبب هذا البحث المستميت يهدف لضمان إكمال (التشكيلة) ولك أن تصدق أن هذا الفريق كان يلعب دون وجود أي لاعب (إحتياطي) تقريباً.
وخلال أي مباراة يخوضها هذا (الفريق) مع أي ناد كبير.. كنت تجد لاعبوه يتحركون بصعوبة.. ويلعبون بطريقة رديئة.. دون خطة أو تدريبات مسبقة أو تجانس حقيقي.. بل وتكاد الجماهير الغفيرة التي تحضر مبارياتهم أن تسمع شتائمهم لبعضهم البعض.. ويخسروا النتيجة.. لكن قبل انطلاق صافرة النهاية بعدة دقائق.. يلف كل اللاعبين (إعصاراً) لـ(عفريت) أو (جني).. فتجدهم (يفوقون) من غفوتهم.. كأنما هم قد أدركوا في تلك اللحظة أنهم يلعبون مباراة هامة وأن النتيجة ليست لصالحهم.. ولا تدري من أين جاءهم ذلك النشاط والحماس الذي يجعلهم يلعبون في (بدل الوقت الضايع) بطريقة توحي بأنهم قادرون على تعديل النتيجة في أية لحظة.. قبل أن تسبقهم صافرة (الحكم) وتنتهي المباراة ويخرجوا خاسرين.. وسط تهليل واحتفاء معظم الجماهير.. وذلك وسط دهشتك وأنت تشاهد المباراة خلف شاشة التلفزيون.
لا تدري كيف نسيت الجماهير كل ذلك الأسلوب السيء في اللعب طول المباراة ولم يتذكروا سوى ذلك الجهد المستميت الذي ظهر في (الوقت الضايع).. ويخرجون من الملعب.. وكثير منهم يقول:
(والله العيال ما قصروا.. لعبوا في الآخر.. بس خسارة ما في وقت).
(يا شيخ لو كان الحكم مدد الوقت شوية كنا تعادلنا وفزنا)
(العيال لياقتهم بينت في الآخر.. بس ما في وقت)
ومن يومها أصبحت عندما أريد أن أسخر من أحد أبنائي أقول له:
(انته زي نادي (.....) تلعب في الوقت الضايع)
ناسياً إنني الوحيد في البيت الذي يشجع ذلك الفريق - فيسخرون منى بدورهم ويقولون:
(والله يابويا كنا شايفينك نايم طول المباراة ما شفت أي حاجة)
فأقول موضحاً:
(ترى الرمضان والقدسي.. يجيبوا لك النوم إذا واحد منهم علق على مباريات بايخة زي لعب (.....) لكني صحيت قبل نهاية المباراة سمعت صوت المعلق يصهلل قلت يمكن العيال فازوا.. بس عرفت أنهم يلعبون في الوقت الضايع زي العادة).
وطبعاً هذا هو حال كثير من الناس في الحياة الطبيعية.. وكان هذا حالي وبعض أقراني في الاختبارات النهائية للشهادة الابتدائية التي خضت امتحاناتها مرتين قبل أن انجح في الثالثة.
فمنذ أن نتسلم أوراق الأسئلة ونعرف الوقت المحدد للإجابة.
يبدأ الطلبة (الأسوياء) في الإجابة.. وأنا وعدد لا بأس به من الزملاء نقضي (نصف الوقت) في محاولة قراءة (الأسئلة).. ونصف الوقت المتبقي من الوقت في محاولة فهم السؤال الأول... وقبل أن ينتهي (كل الوقت) ندرك أن علينا تجاوز السؤال.. ومحاولة فهم السؤال (الثاني).. وعندما نبدأ (الإجابة) يكون (الأستاذ) قد بدأ في جمع أوراق الامتحان.
عنها تعلو أصواتنا محتجة :
(لسا بدري يا أستاذ ما خلص الوقت).
(يا أستاذ دوبنا بدينا نجاوب استنى شويا)
(يا أستاذ بس شوية.. باقي كلمتين).
وعندما يتجاهلنا نبدأ في التوسل:
(خمس دقايق الله يخليك يا أستاذ).
(الأسئلة صعبة يا أستاذ.. حن علينا شوية).
(ترى ذنبنا في رقبتك يا أستاذ إذا سقطنا).
ونخرج من القاعة.. وخارج المبنى.. لا نتذكر شيئاً سوى أن (الأستاذ).. ما أعطانا وقت... و...
(يا شيخ أسكت.. دوبي بديت أجاوب.. سحب الورقة من يدي)
هذا قبل أن تصاب باكتئاب وأنت تسمع أحدهم يسألك:
(كم سؤال جاوبت عليه).
غير أن الذي يصيبك بنكد حقيقي ذاك الذي يسألك:
(إيش جواب السؤال الثاني)..؟
لكنك تشعر بنوع من الارتياح وأنت تسمع أحدهم يصرخ مهدداً:
(يا واد حل عني.. أنا ما أحب أحد يسألني بعد ما أخرج من القاعة )..؟
طبعاً... نسيت أن أقول... أن الوقت الذي كنا نقضيه مع ورقة الأجوبة لكتابة (بيانات).. اسم المدرسة.. ورقم الجلوس.. واسم المادة.. والتاريخ.. يكاد يوازي الوقت المخصص للأجوبة على أسئلة الامتحان.. أو ربما يزيد.