كوثر الأربش
لا يدخل التطرُّف الطائفي من الباب حتى تفرَّ التنمية من النافذة.
التاريخ يقول هذا، فإذا وجدت خرابًا، فقرًا، شتاتًا، موتًا وتخلفًا.. فتّش عن الطائفية. فتش عن تلك الفئة الأكثر أنانية، وطغيانًا، وإقصاءً للتعدد. التعدد الذي كان يزين لبنان، حتى غدا فسيفساء رائعة، لا تعرف الفرق بين مكوناتها إلا أنها تخلب لُبَّك. لم نسأل يومًا ما هو دين أو مذهب جبران خليل جبران، فيروز، الأخطل الصغير، سليم الحلو، أمين معلوف مثلاً، لم نعرفهم سوى كلبنانيين، وهذا كل شيء.
كيف تحوَّل لبنان من «سويسرا الشرق» لقوة اقتصاده وثباته، إلى مجرد ظل شاحب لاستكبار إيران؟ كيف تخلى عن فرادته ورضي بأن يصبح مجرد عود كبريت في انتظار دوره في الاحتراق، عود كبريت في علبة الآخرين، الذي سلبوه جماله وقوته واستقلاله، ووهبوه الدمار والحروب والقمامة التي «طلعت ريحتها» لما وراء الحدود!
إنني أستمع الآن وأنا أكتب هذا المقال لماجدة الرومي تترنم بكلمات قباني:
يا بيروت
يا ست الدنيا.. يا بيروت
نعترف أمام الله الواحد
أنّا كنا منك نغار
وكان جمالك يؤذينا
نعترف الآن
بأنا لم ننصفك ولم نرحمك
بأنّا لم نفهمك ولم نعذرك
وأهديناك مكان الوردة سكينًا
نعترف أمام الله العادل
بأنّا جرحناك وأتعبناك
بأنّا أحرقناك وأبكيناك
وحملناك أيا بيروت معاصينا
يا بيروت
إن الدنيا بعد ليست تكفينا
الآن عرفنا أن جذورك ضاربة فينا
الآن عرفنا ماذا اقترفت أيدينا
قومي... قومي... قومي
قومي من تحت الردم
كزهرة لوز في نيسان
قومي من حزنك قومي..
أسمعها، وأكاد أتفطر حزنًا على «ست الدنيا» أن تصبح مجرد «خشخيشة» في يد نصر الله، الذي هو مجرد خاتم في يد خامنئي، الذي لا يفكر إلا باختراق وحدتنا، بسحق عروبتنا وفرادتنا واستقلالنا. حيلة الطائفية والعنصرية على مر التاريخ، وسبب نجاحها في مزاحمة التعايش والسلام والحب، سبب قدرتها على فرض هيمنتها واختطاف الألوان والثراء التعددي، أنها تغير في سُلّم الأولويات؛ فلا تصبح التنمية والفن والتعليم والحضارة والرقي وقوة الاقتصاد والسياحة أولوية، بل سيادة الطائفة هي الهدف الأكبر في أي مشروع طائفي، لا يهم أن تموت جوعًا، لا يهم أن لا تجد وظيفة، أو مساحة حرية، لا يهم أن تتنفس، المهم فقط أن تصبح جنديًا وفيًا في حشد الطائفة، وتصبح انتصاراتها انتصاراتك وإن كنت آيلاً للموت، وبلادك تحترق!
هذا الفكر الطائفي المقيت لا يليق بلبنان الجمال، لا يليق ببلد «يتنفس حرية». وهذا ما تريد المملكة إيصاله لمن جرّه لنفق التبعية المظلم، من خلال قطع المساعدات. لا نريد من لبنان أن يصبح ظلاً لأحد، نريد له استعادة قوته وثباته، ودوره كمفصل مهم بين الشرق وأوروبا وإفريقيا.. أن يستفيق وينهض من تحت رماد الفرس. نريد للبنان أن يعود للبنان فقط.