رجاء العتيبي
بالطبع ليس صراعا حزبيا كما يروج له البعض، ولا يوجد إسلاميون ولا ليبراليون بهذا المعنى الحرفي في محيطنا، فكل ما هنالك صراع بين حراك تقليدي وحراك حديث على مستوى السلوك والاقتصاد والمفاهيم والحياة والقوانين والأنظمة...، وهذا أمر نجده في كل المجتمعات وتحديدا المجتمعات النامية، فهذا أحد صفاتها.
هذا رقم واحد، أما الثاني فإن هذا الصراع الراهن هو امتداد للصراع حول المرعى والماء والكلأ، فمازال مجتمعنا النامي حديث عهد بالمجتمع القبلي ومازال سلوك رجال القبيلة يعيش في وجدان الكثير، ولكن الذي اختلف أن الصراع بات حول (الكرسي) و(المنبر) بدلا من الصراع حول المرعى والماء، وإن اختلف سلوك الصراع تبعا لأدوات الزمن الجديد.
ومن أجل التمويه يقحم الدين في هذا الصراع، فيتسمى هذا الصراع (ليبرالي/ إسلامي) حتى يعطيه أهمية، وإلا فهو صراع (نفوذ) لا أقل ولا أكثر، فكل من الطرفين يريد أن يكون هو الموجه للمجتمع، ونسخه منه، فيما المجتمع لا يعلم عن ذلك شيئا، ولم ينقسم على نفسه كما يروج له الخصمان اللدودان، وإنما يعيش حياته بتلقائية، ويحاول حل مشكلاته اليومية، ويقوم صباحا بحثا عن الرزق، ويروح إلى منزله مساء فيتعشى وينام.
أما النخب المتصارعة حول (الكرسي) فتتوهم أن الناس تتابعها، وهم لا يعلمون أن الناس قد تجمهروا لشراء تذكرة مباراة الهلال والنصر وبعضهم استقل طائرة متجهة لمدينة سياحية, وبعضهم ذهب للتسوق وبعضهم يذاكر مع أبنائه الدروس.
مثل هذه الصراعات انكشفت، وبان عورها، ولم تعد تنطلي على أحد، وبات انتصارا شخصيا، ومكابرة، وشهرة، ولقاءات في الفضائيات، وشكاوى وقضايا ومحاكم، والأدهى والأمر أن لها محركون من هنا وهناك وإعلام يروج لها.
الشعب السعودي لا تعنيه مثل هذه المناكفات، سوى بعض الأتباع أو القطيع الذي لا يعرف أين يتجه به الطريق، ويبقى الشعب متلاحما مع حكومته، فقد شاهد نتائج الصراعات في بعض دول الجوار، وليس لديه استعداد أن يضحي بنفسه من أجل ( شيخ ) يسعر حربا من على المنبر، أو شخصا يكتب من أجل إنزاله، وإذا ما تمادى الوضع وبات خطرا، سيكون للدولة كلمتها كعادتها، وسيذهب اتجاه إلى وضعه الطبيعي.
ليبقى الجدل بين (الاتجاه التقليدي والاتجاه الحديث) لنصل إلى في النهاية إلى وضع أفضل باعتبار ذلك سنة كونية لا مناص منها، أما أن يتحول الصراع إلى حرب وتكفير وتخوين وكأس وغانية فذلك وإخلال بالأمن، فذلك أمر لا نرضاه، في وقت نحن بأمس الحاجة إلى وقفات صادقة مع الحد الجنوبي ومع رعد الشمال.