د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** هل نحن بخير ؟ و»نحن « - هنا - تمسُّ أجيالنا بمكونِّها العام وانتماءاتها الخاصة،ولأننا الجيل الذي ولد بعد النكبة الأولى واستيقظ وعيه على النكبة الثانية واشتد عوده بالنكبة الثالثة فالعاشرة فالمئة فمن المتوقع أن تجيءَ الإجابةُ نفيًا قاطعًا،وهل يكون بخيرٍ من عاش شعاراتٍ دون شعائر وأبصر راياتٍ من غير أبطال!
** وماذا عن « نحن» أولادِنا ؟ أهم بخير وقد شهدوا الترف ولم يعنِهم - صغارًا - تجاذبُ الانتماءات فالهُويات فالأدلجات حتى إذا كبروا تفتتت الصراعات إلى جزيئاتٍ تنثرُ الكُرهَ عن ميامنهم ومياسرهم؛ فلا لغة الحبِّ تسود ولا روح التسامح تقود والجميع يتربص بالجميع !
** لا عناوين تلمُّهم؛ حتى عمَّ الشتاتُ الذهني والعاطفيُّ، وتضاءل الحضور العقليُّ والإيمانيُّ ،وامتد بهم التيهُ نحو التيه؛فقادةُ المراكب منشغلون بتصفية حساباتهم القديمة، وبين التيارات المتصادمة يرتفع ضجيجُ التجافي وتخبو لغة التصافي .
** لا عجب بعدُ إن صرنا خبراءَ في العلل النفسية التي قلصت مساحاتِ الفرح بين الشباب المضيءِ المُنعَّم؛ فالثروة والمركز والمستوى لا تعني كثيرًا، وهو ما أثبتته دراسة عمرها خمسة وسبعون عامًا ما تزال جامعة «هارفارد» تجريها لتشمل أجيال الأجداد - الذين لم يتبق منهم أحياءً سوى سبعة أشخاص - وكذا جيل الأحفاد وفق تقرير عام 2015م؛ فقد حازت العلاقات الاجتماعية الصحية الموقع الأعلى بالرغم من أن شِيبهم وفتيانهم يحيون في الدولةِ الرائدة التي تحارِبُ ولا تحارَب وتَستغِل ولا تُستغل وتأمر ولا تأتمر، ولله ما صنع الظلمُ والتخلف والحروب بكبارنا وصغارنا!
** العلاقاتُ مفتتحُ الحكاية إذا شئنا جيلُا سويًّا خاليًا من عقد الثأر التي أُدخلوا فيها ولم يكونوا جزءًا منها وتصدرها من يعيشون الهزيع الأخير من أعمارهم ويصرفون جل أوقاتهم لرسم معاركهم المؤجلة وكسب خصوماتهم المعجلة ، ولا همَّ لهم إلا إسقاطُ هذا وفضحُ ذاك وشتمُ أولاءِ والكيدُ لأولئك.
** لا فرق بين الأفرِقة؛ فكلٌ يحتربُ مع كلٍ، والشبابُ المؤمنُ برموزه تبعٌ لهم دون أن يسأل نفسه عن شأنه بقضايا لم يكن طرفًا فيها، وربما فاتته معرفة خلفياتها وجذورها وبواعث نزاعاتها المضمرة والمظهرة، ولعلنا أجملُ حظًا من الأجيال التي سبقتنا والتي لحقتنا حين وجدنا في آبائنا ومعلمينا من حذَّرنا من التحزب والحزبية فندر في مجايلينا من انتمى قوميًا أو إخوانيًا أو ناصريًا أو بعثيًا بله قاعديًا أو داعشيًا، والتوازنُ طريق الاتزان ، مثلما التبعيةُ وسيطُ التطرف.
** تزداد المناداة اليوم لتوفير مراكز رعاية نفسيةٍ بعدما ازدادت حالات الاكتئاب والعنف والخوف والتوتر بين النشء؛ فالخطاباتُ المتشنجةُ بأقلام وأفواه الكبار ومتابعيهم تُوحي أن البراكين الكلامية توطئةٌ لانفجاراتٍ اجتماعيةٍ قد تُحرق مستقبلهم الذي تخيلوه زاهيًا لهم مزهوًا بهم مرتهنًا بإرادة الله وإدارة العقلاء.
** من ضلُّ أضل.