أ. د.عثمان بن صالح العامر
من خلال المزايا العشر لمركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية - التي ذكرتها إجمالاً في مقالي السابق، المنشور هنا الثلاثاء الماضي - وغيرها من الخصائص والمميزات التي لم يسمح حيز المقال بالتعريج عليها، استطاع هذا الصرح الشمولي المتكامل أن يحقق:
# السمعة العالمية المتميزة التي جعلت الشراكات العالمية والمحلية تبرم، وكلمات وأحاديث ممثلي المركز يرحبُ بها وتسمع في منابر عالمية معروفة وقنوات فضائية مشهورة، والوفود الأجنبية سياسية كانت أو فكرية أو إعلامية أو اقتصادية أو مجتمعية تتتابع على العاصمة الرياض للاطلاع والاستفادة، إذ لا توجد تجربة مماثلة في جميع دول الأرض، استطاعت بتوفيق من الله وعون أن تجعل مضامين الإصلاح المتنوعة تجتمع في يد مؤسسة حكومية واحدة، وتقدم في وقت واحد، تحت سقف واحد لشخص بعينه وبصورة احترافية فذّة في صرح أمني وتربوي وفكري واجتماعي ونفسي متميز.
# النسبة العالية التي وصل لها المركز في علاج المستفيدين وإصلاحهم؛ فالعائدون لفكر الفئة الضالة بعد الخروج كما تذكر الإحصائيات الدقيقة التي ذُكرت في اللقاء، ومسجلة رسمياً هي 14.86% فقط، في مقابل إصلاح 85.14%، وهذا لم يكن له أن يتحقق لولا توفيق الله أولاً ثم الدعم المادي والمعنوي المنقطع النظير من لدن قيادة بلادنا الحكيمة، التي تولي إنسان الوطن - أياً كان - جلّ اهتمامها وعظيم رعايتها وحرصها على سلامته واستقامته عقدياً وفكرياً ونفسياً وجسدياً واجتماعياً، إضافة إلى إسناد إدارة المركز لرجل مميز، استشعر وما زال
«ماذا يعني أن يكون هو بالذات في هذا المكان على وجه الخصوص، وفي هذا الوقت الصعب الذي تمر به المنطقة على وجه العموم والمملكة العربية السعودية خصوصاً، فهو ومن تحت إدارته مناط بهم من قِبل ولي الأمر مشروع إصلاحي لفئة استثنائية ذات توجهات فكرية متطرفة تهدد أمن المجتمع واستقرار إنسانه».
وللتاريخ فقد استطاع هذا الرجل ومستشارية وفرق العمل معه الذين مُنحوا وشُرّفوا بثقة القيادة أن يتعاملوا بمهنية عالية ويحققوا نجاحاً منفطع النظير مع هؤلاء المتطرفين المتلبسين بالفكر الضال حتى النخاع، مع أننا نعلم جميعاً أن من الصعب اجتثاث القناعات العقدية الفكرية التي يجزم صاحبها سنوات من عمره أنها الطريق الحق للوصول إلى الجنة، والأصعب إخراجه من هذه الظُلمة الفكرية المتلبس بها إلى جادة الصواب وإعادته للمجتمع المحيط به، علّه أن يعيش معهم كما يريد هو أن يكون زوجاً وابناً وأباً وموظفاً وصديقاً وجاراً وإماماً للمسجد وصاحب مؤسسة و... بعد أن عرف الحق والتزم به، في ظل مجتمع قد لا يعرف كيف يجب أن يكون التعامل مع هذه الفئة بالذات، فضلاً عن ظروف عالمية لا تخفى، وربما كانت هذه وتلك من أقوى معززات النزوع نحو التطرف الفكري لدى الشباب، وقد تتسبب في العَوْد لدى المستفيد الخريج لا سمح الله، ولذا كان من وكد المركز الرعاية اللاحقة والدعم والمؤازرة والتشجيع والتحفيز التي هي كما قال - مدير المركز - من أصعب وأشق المهام التي انبرى لها المصلحون الذين تربطهم اليوم بأسر المستفيدين علاقة وطيدة وصداقة حقيقية، تسهل لهم القيام بدورهم الإرشادي والتوجيهي «النفسي والاجتماعي والشرعي» على الوجه الصحيح.
قد يظن البعض أن هؤلاء العائدين للفكر الضال بعد كل هذا الجهد المبذول يقلل من شأن الجهود المبذولة ويقدح فيما تحقق من نجاح، ويهدد منهج الإصلاح المتّبع، وربما تجرأ البعض من الكُتّاب ووصم المركز «بالإخفاق»، وغاب عن هذا الناقد السوداوي أن هذه النسبة للعَوْد أقل النسب عالمياً، فعودة من يرتكبون جرائم فردية جنائية أو حتى أقل من ذلك تصل في دول عالمية كثيرة إلى ما يقارب الـ60%، مع أن الجرائم ذات المساس بالأمن الوطني المبنية على قناعات فكرية، المرتكزة على ما يعدّ لدى مقترفها عقيدة راسخة لا تقبل الجدل والنقاش، والمنضوي تحت تنظيم أو جماعة من أشد وأصعب الحالات التي يواجهها المصلحون في المجتمعات المعاصرة.
# الوصول بالعمل إلى مستوى المؤسساتية والاحترافية العالية التي جاءت عن طريق التدرج المدروس والمخطط له، ولذا:
# لا عجب أن يطلب عددٌ من الدول نقل التجربة والاستفادة منها في علاج حالات العنف والتطرف، ومواجهة موجة الإرهاب الفكري الذي صار سرطاناً يسري في الجسد العالمي بصورة غريبة وعجيبة، وبطريقة عشوائية مخيفة، ولا يُعلم من سيكون الضحية غداً!!.
# لا عجب أن تضع أسر هؤلاء المستفيدين ثقتها المطلقة في العاملين بالمركز وتتعاون معهم، رغبة في إخراج المستفيد إلى حياته الجديدة وهو أقوى عوداً، وأقدر على مواجهة مصاعب الحياة، ليكون عنصراً فاعلاً وإيجابياً في مجتمعه الذي كان في نظره يوماً مستحل الدم والعياذ بالله.
إن كلمات الشكر تتقازم أمام هذا الإنجاز الوطني المتميز، ولا نملك نحن أبناء هذا الوطن المبارك - الفخورين بكل منجز وطني فذّ - إلا الدعاء والثناء لمن أرشد ووجّه، ودعّم وبارك، وعمل وأنجز، حفظ الله قادتنا، وحمى بلادنا، ونصر جندنا، وأذل أعداءنا، وأدام عزّنا، ورزقنا شكر نِعَمِهِ، وأبقى لحُمتنا ووحدتنا والتفافنا حول أمرائنا وعلمائنا، ووقانا جميعاً شرّ من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.