عبدالله الغذامي
تعرضت الشخصية السعودية لتدمير معنوي نتيجة للطفرة المادية الهائلة في السبعينات، حيث حلت الوفرة المادية محل إرادة العمل، وصار الحصول على المال سهلاً بمجرد أن تدخل سوق العقار وتتحول بين ليلة وضحاها لمليونير ومن ثم تكون وجيهاً اجتماعياً، وتمت التضحية بكل قيم العمل وقيم الكدح والتعب التي عرفها جيل الآباء حتى صار الأبناء أثرى وأهم من أهاليهم، وتحولت العائلة البسيطة والتفاعلية إلى عائلة طبقية تستورد العمالة من خدم وخادمات، وتعددت غرف المنزل مثلما تعددت السيارات المركونة مع وسائل الترفيه الميسورة عبر الهوس الاستيرادي، حتى بلغ بنا الظن أننا فقدنا معنويات الجيل الشاب، وتشوهت صور الفتيان والفتيات بوصفهم كسالى جسدياً وذهنياً وغير مهتمين بصناعة مصدر رزقهم اتكالاً على الأرصدة المضمونة والوظائف المضمونة والتسهيلات المتاحة، إلى أن جاء يوم بدأ فيه شد الأحزمة مع الخوف من عدم قدرة الجيل الشاب على الاعتناء بنفسه، ولكن ظهر شيء جديد غَيَّر من كل تصورات الشباب لأنفسهم، ومن تصوراتنا عنهم، وهو برنامج (الانستقرام)، حيث ظهرت حسابات للفتيات بشكل ملاحظ وهن يسوقن لصناعاتهن الخاصة في أنواع الطبخات والحلويات وصناعة الديكورات الداخلية، وتصميم الملابس والشعارات والبروامج، مع التسويق للإعلانات والأفكار والتصدير وكافة أنواع العمل الفردي المنتج. وفي هذا تحول مادي ومعنوي، بأن تصنع البنت مكاسبها المادية والقيمية عبر كفاءتها الخاصة وبمقامها الذاتي، باستقلال مادي وثقافي، وبإرادة عملية منتجة ومتفاعلة، ومطورة لذاتها عبر التجربة والتعلم من الأخطاء، وتكشفت العملية عن ثقافة جديدة تصنع الحدث وتخلق التنافس الفعال مثلما تخلق فرص عمل مصاحبة، حيث ظهر شباب يقومون بمهمات التوصيل حيث تبيع البنت منتجها ويوصله فتى بمبلغ متفق عليه، وتتم سلسلة الإنتاج والبيع والتوصيل مع مشتر اتجه لهذه البضاعة بشكل لافت وناجح، كلها عبر شاشة زرقاء صغيرة تصنع الربط بين كافة الأطراف، وصرنا على مشهد من مرحلة (ما بعد الطفرة) وكأننا نتعالج من مغبات الطفرة بنماذج تصنع نجاحاتها وتستثمر ما تعلمته في مدرسة الحياة ليتحول إلى منهج سلوك وإلى معنى من معاني صناعة القيمة الذاتية والعملية.