د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
لم يتغنَّ التربويون بمستقبل في غيابة الجُبّ مثلما صنعوا بعد الأمر الملكي الكريم بدمج وزارتي التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم؛ ولم يكن ذلك الغناء محللا لهم دون غيرهم، وكانوا يأملون أن تلتقطه بعض السيارة، فانهال الطرح وكأن شأنهم يقول «إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله» وإن كانوا في مواقعهم من الوزارتين آمنين تحيطهم عناية الله، والقوانين التي تبيح للمتفرج ما لا يُباح لغيره، فهم يتفرجون على واقع الطلاب في أعشاشهم الصغيرة في التعليم العام، والكبيرة في العالي؛
والجميع يعي أن حكمة ولي الأمر حفظه الله انطلقت في إقرار الدمج من حقيقة ماثلة وهي المسئولية المشتركة بين القطاعين في بناء القدرات العلمية لدى المتعلمين والتعليمية لدى المعلمين؛ كما أن دور البحث العلمي الذي محضنه الجامعات في إرساء قواعد المعرفة ودعم أبوابها هدف أساس لكل الحراك القائم في دعم التعليم وإصلاحه، وإن كان الواقع بدأت تظهر فيه بعض التنظيمات لضمان الاندماج التام وفق القرار السامي الكريم لإحداث الامتداد الطبيعي للنظامين المتكاملين لتتناسب مخرجات التعليم العالي مع متطلبات التعليم العام من حيث الكم والنوع المتكئين على الكفايات المحققة للتطلعات، والمواكبة للمستجدات في التعليم العام واحتياجاته، وبالتالي رتق النقص في مهارات طلاب التعليم العام التي يتطلّبها الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي دونما الحاجة لمعالجة العجز بالسنة التحضيرية التي كانت وما تزال جداراً هشاً لم يحضر في واقع معرفة الطلاب شيئاً ذا بال، بل كانت شريكاً في التهام سنوات أعمارهم.
وعندما نستشرف قادم التعليم ومستقبله فإنه لابد من صناعة نموذج متكامل تتشقق له أكمام الأزهار ليحفز ذوي العلاقة في التعليم العام والعالي لتمتين صناعة الاندماج، وتضفير أنظمة التكامل, وتجاوز النطاقات المعزولة إلى المساحات المفتوحة والمرنة من التعاون لتضيء الفضاءات في القطاعين الذين أعلن ولي الأمر حفظه الله وحدتهما، ونعني بذلك ضمان تدفق المعلومات في المساقين، وضمان الاستفادة منها في حدودها القصوى، وفي مدارات تراكمية فاعلة يصب كل منها في حياض الآخر.
وإذا ما دلفنا إلى الحديث حول ركيزة البحوث التربوية في الجامعات التي يتم من خلالها توليد المعرفة في مجالات التخصص التي تُدرس في التعليم العام فإن تلك الجهود البحثية عادة ما تبقى في مستودعات تلك المصانع معزولة عن واقع التعليم العام الذي تملأه القضايا التربوية التي تروم حلولاً نامية نافعة تنبع من نتائج بحثية علمية، فينبغي حيال ذلك بناء منصات وسطى لحمل المعرفة التي تنتج عن البحوث من دوائرها بوصفها معارف بحتة في الجامعات إلى مراحل تطبيق المعرفة في تشكيلاتها المختلفة وبالتالي فرضها واقعاً مُعاشاً.
ولعلنا نتوصل من خلال هذه المقدمة وإن توشحها الطول إلى مفهوم التجربة التربوية الناضجة
التي نتوق أن تنفّذ في مؤسسات تربوية متخصصة تكون متكأ لاحتضان تلك التجارب، ويتم ذلك من خلال إستراتيجية «المدارس أو الأكاديميات التربوية الصديقة للجامعات» التي تحددها وزارة التعليم في الحدود والنطاقات المحيطة بالجامعات وفروعها؛ وأعتقد أن قوانين وزارة التعليم بعد الدمج يجب أن تُنبت قوانين أخرى للاتحاد، لأن الاتحاد قوة, وأحسبه في المجال التربوي قوة ووقاية أيضاً، كما أن شريعة نشر الاستراتيجيات السائدة حالياً لن تكون نتائجها مجزية فقد يتسع الشق على الراقع؛ إضافة إلى أن واقعنا لا يملك على الأقل في الوقت الحالي مرآة واسعة تعكس تفاصيل الضفة الأخرى، خاصة أن مؤسسات التعليم العام تملأ السهل والجبل مما يحتم تحديد مواقع مخصصة لصناعة حوافز التعليم ومحفزات التعلم من خلال تطبيق نتائج البحوث المنتجَة في الجامعات، وفي ذلك المحيط تُدعم الحقول والمجالات المبتكرة في إستراتيجيات التدريس، وتصميم التعليم، والتجارب المنتجة في الجامعات في أساليب القياس والتقويم، ويتحقق أيضاً التقويم السليم لكافة الإستراتيجيات التطويرية في مجال إعداد المعلمين لكونها تخضع للتفعيل المستمر والتقييم المباشر في المدارس الصديقة للمطورين، وحتماً لن يكون جدل بين أصحاب البضاعة المزجاة ومن يلزمهم بإيفاء الكيل، فالتشارك في نتائج التجريب بما يحقق المردود التربوي الفاعل، وبما يربط المستجدات في قنوات التعليم العام بالخطط القائمة في الجامعات مما سوف يحقق جودة تصدير المنتجات ونشرها، وسوف تكون مرتكزات التطوير المهني باهرة لكونها سوف توقد من تسلسل تربوي منطقي يحرّم استغفال الواقع التربوي، واختلاف بيئاته.
وواقع «المدارس الصديقة أو الأكاديميات التربوية» لتمييزها يتطلب من القائمين على سياسات التعليم صياغة المشروع؛ وأن تُوقد له كل الأطراف شموعها، حتى يتحدى قصص الفناء،
ويكون في العدوة القصوى من اهتمام القائمين على قيادة التعليم.
فالتعليم في بلادنا ينبغي أن يختار ضفة فريق الحياة.
يكلفني التعليم هما وهمة
وأرقبُ في الإصلاح يوما وموعدا