د.عبدالله مناع
ترددت في تلبية دعوة (جمعية الثقافة والفنون) بجدة.. مساء يوم السبت - قبل الماضي - لحضور حفل تكريم الفنان: (مهند طلال) بمناسبة حصوله على (المركز الأول) في مهرجان الإسكندرية الدولي لـ(الأغنية).
* فقد تراءى لي أن «الوقت» ليس وقت تكريم لفنانين وموسيقيين ومغنين أو حتى لشعراء أغنية أو كتابها، فمنطقتنا العربية تعيش أحداثاً سياسية متلاحقة.. ربما لا تسمح بـ(ترف) التكريم أو (الاحتفاء) بالمبدعين منهم.. هذا، إلا أنني سرعان ما هونت على نفسي.. قائلاً: إذا كانت القيادات العربية.. لم تأمر بـ(إيقاف) أو حتى (تعليق) أي من أنشطة المجتمع الأدبية أو الفنية أو الرياضية.. وخيراً فعلت، فإنه لا يصح لي.. أن أكون بابوياً أكثر من البابا.. كما يقولون!! لأرد على آخر هواتف أخي العزيز والمسرحي المعروف، ومدير فرع (الجمعية) الجديد بجدة: الأستاذ عمر الجاسر.. بأنني سأكون من بين حضور حفل (تكريم) الفنان (مهند طلال)، الحاصل على (ذهبية) جائزة الموسيقار محمد عبدالوهاب.. التي أهلته للفوز بـ (المركز الأول) في ذلك المهرجان الدولي..!!
* * *
عند التاسعة تماماً أو قبيلها بدقائق.. كنت أبحث لسيارتي عن موقف وسط ازدحام السيارات الذي أدهشني بقدر ما أسعدني، وهو يحيط بـ(سور المبنى)، وفي داخله.. لأجد مسرح (الجمعية) وقد غص بحضور متميز من الفنانين والسينمائيين والأدباء والإعلاميين.. بل والأكاديميين إلى جانب نخبة من وجهاء المجتمع الجداوي، فلم أجد مقعداً أقتعده لولا أن ترك الأستاذ عمر الجاسر لي مكانه لأجد نفسي إلى جوار أخي الدكتور شهاب جمجوم وكيل وزارة الإعلام الخارجي المساعد الأسبق أيام الدكتور محمد عبده يماني.. لأسأله: أكل هؤلاء قدموا للاحتفاء بفوز الفنان (مهند طلال) بجائزة مهرجان الإسكندرية الدولي للأغنية؟. فقال: ليس وحده.. ولكن معه - فيما علمت - عدد آخر من الفنانين سيجري تكريمهم الليلة، ليقطع حواري معه مقدم الحفل الإعلامي الشاب: الأستاذ (محمد الراعي).. الذي اعتلى خشبة المسرح وأخذ يقدم الحفل أجمل تقديم، وهو يمزج بين جمالين: جمال جدة وبحرها.. وجمال الموسيقى والغناء، ليسلم الميكروفون في ختام تقديمه الملفت والجميل للفنان: (فيصل لبان).. ليستهل الحفل بـ (مجس) ترحيبي بالحضور، وتكريمي للفنان (مهند طلال).. أُستقبل بما يستحقه من التصفيق والهتاف، ليتبعه الأستاذ الجاسر بكلمة فرع (الجمعية) في جدة.. حيث روى فيها قصة مشاركة فرع الجمعية في (مهرجان الإسكندرية) في شهر نوفمبر الماضي، وكيف أن أعضاء الجمعية ذهبوا إلى الإسكندرية كـ (مجموعة) لحضور المهرجان على حسابهم الشخصي.. دون أن تتحمل الجمعية عنهم ريالاً واحداً، بعد أن أخبرهم المركز الرئيسي للجمعية في الرياض، بأن ليس لديه ميزانية لتغطية نفقات مثل هذه المشاركات الخارجية.. إلا أنهم وبوطنيتهم وحماس الشباب فيهم قرروا الذهاب إلى الإسكندرية، والمشاركة في (المهرجان).. حتى لا تفوتهم فرصته.. وكأنهم قدموا (معاً) من جدة، بينما الحقيقة هي أنهم ذهبوا (فرادى).. وأقاموا في فنادق مختلفة - كلاً.. حسب إمكاناته - طيلة ليالي المهرجان.. التي امتدت لأكثر من أسبوع، ليقدموا أعمالهم الغنائية والموسيقية، فيفوزوا بـ (جائزتين) من جوائز المهرجان (الثلاث): (الأولى).. وحصل عليها الفنان (مهند طلال) عن أغنية (ما في زيك) التي كتبها الشاعر الغنائي الشاب (روان دشيشة)، ولحنها الموسيقار المعروف الأستاذ عبدالرب إدريس، وجائزة المهرجان (الثالثة).. التي حصلت عليها الفنانة (أريج) ابنة الفنان والموسيقي الموهوب المرحوم الأتاذ عبدالله محمد، حتى قال الموسيقار المصري المعروف (حلمي بكر) - رئيس لجنة التحكيم في المهرجان - عن كثرة تواجد أعضاء الجمعية في المهرجان بأنهم شكلوا (تسونامي سعودي.. اكتسح المهرجان وجوائزه)..!!
ليلقي بعد ذلك رئيس الاتحاد العام للفنانين العرب: الأستاذ (سعد فودة).. كلمته التي أشاد فيها بالفنانين السعوديين الذين شاركوا في مهرجان الإسكندرية للأغنية، وبـ(مواهبهم) التي مكنتهم من الفوز بـ(جائزتين) من جوائز المهرجان الثلاث، وأنه قدم من الإسكندرية للمشاركة في حفل (الجمعية) بجدة لتكريم الأستاذ (مهند طلال) الذي لفت أسماع حضور (المهرجان)، وأمتعهم بأدائه المتقن.. وكان حديث رواد المهرجان قاطبة.. طيلة أيامه، لتأتي بعد ذلك لحظة تكريم الفنان (مهند طلال).. بـ (الإعلان) عن حصوله على (المركز الأول) في مهرجان الإسكندرية الدولي للأغنية، وبـ(تسليمه) درع التكريم من قبل (الجمعية).. لينطلق تصفيق الحاضرين تقديراً له.. وإعجاباً بموهبته التي مكنته من الفوز بـ(المركز الأول).. في مهرجان للأغنية يعقد في مدينة (الإسكندرية): بلد زعيم الفن المصري الأول - بشهادة موسيقار الأجيال الأستاذ محمد عبدالوهاب -: الشيخ سيد درويس.. صاحب (السلام الوطني) المصري الشهير (بلادي بلادي لك حبي وفؤادي)، ليتوالى بعد ذلك تكريم أربعة عشر فناناً.. في مقدمتهم ألمع نجمي الموسيقى والغناء في تاريخنا: فناننا الكبير المرحوم (طلال المداح)، وفنان العرب (محمد عبده).. أطال الله بقاءه.. إلى جانب تكريم عدد من كبار الموسيقيين والملحنين.. في مقدمتهم الفنان والموسيقار جميل محمود، وعازف العود الأشهر الفنان عبادي الجوهر وعبدالله رشاد وعازف القانون الأشهر (حسين القرشي)، الذي صعد إلى منصة التكريم.. وبصحبته قانونه الذي صنعه بنفسه شخصياً، وكوكبة من أشهر الممثلين.. إلى جانب علم أعلام الشعر الغنائي في بلادنا: الأستاذ إبراهيم خفاجي.. والذي لم يتمكن من حضور حفل تلك الليلة نظراً لتوعك صحته..!!
* * *
في الاستراحة التي أعقبت (التكريم)، وقبل أن يبدأ الفنان (مهند طلال) تقديم وصلته الغنائية.. بادئاً بأغنيته الفائزة في المهرجان.. كنت أتحدث إلى أخي الأستاذ عمر الجاسر عن (الجمعية) وأدائها وأحوالها..؟
فقال: بحماس الشباب وعشقهم للفن، كلٌ في فرع تخصصه.. أستطيع أن أقول بأن (الجمعية) أدت، وتؤدي دورها الثقافي والسينمائي والمسرحي والتشكيلي والفوتوغرافي والتأهيلي.. وبأقصى ما تستطيع في حدود إمكاناتها المالية.
- أليس لـ(الجمعية) بعد انتقالها من الرئاسة العامة لرعاية الشباب.. إلى وزارة الثقافة والإعلام.. ميزانية سنوية خاصة بها..؟
- لها ميزانية.. ولكنها توزع على أربعة عشر فرعاً، فلا ينالنا منها إلا الفتات، وهو ما جعلنا نذهب إلى (مهرجان الإسكندرية) بالصورة التي ذكرتها، وهو ما جعلنا نقيم حفل تكريم الفائز الأول بجائزة مهرجان الإسكندرية الدولي للأغنية هذه الليلة.. بالاعتماد على رعاية الفنانين: الأستاذ عبدالله رشاد والأستاذ فيصل لبان، إذ لولا دعمهما المادي لما استطعنا أن نقيم حفل الليلة.
- وهل يعلم معالي وزير الثقافة والإعلام الجديد الدكتور عادل مطرفي.. بتواضع الأحوال المالية لـ (الجمعية)..؟
- لا أدري.. فهذا شأن رئيس مجلس إدارة جمعية الثقافة والفنون الأستاذ سلطان البازعي في الرياض.. والذي نتواصل معه، ونشكو له قلة الاعتمادات المالية، التي تعيقنا وتعيق دورنا.
لتذكرني هذه الأحوال المتواضعة أو المتقشفة لـ(فرع) الجمعية.. بـ(المكافآت) الضامرة التي كانت وماتزال تقدمها الوزارة لمعدي، ومقدمي برامج إذاعاتها من جدة والرياض، والتي كان يمكن القبول بها.. لو أنها كانت تقدم في العاصمة الصومالية (مقديشيو).. لتتهادى إلى أسماعنا أنغام فرقة الجمعية الموسيقية بقيادة الفنان (هشام عبدالدايم)، وهي تستعد لاستقبال الوصلة الغنائية الأولى.. للفنان (مهند طلال): أغنية (ما في زيك).. الفائزة بـ (الجائزة الأولى) في مهرجان الإسكندرية الدولي للأغنية، فنتعجل سيرنا للوصول إلى مقاعدنا في مسرح الجمعية.. لنشارك من لم يغادروه الاستماع إلى الفنان مهند في وصلته الأولى، التي كانت بحق.. رائعة ماتعة تستحق معها الجائزة الأولى التي حصدتها، ليتبعها (مهند) بثلاث أغنيات من غير أعماله، اختارها بروح الفنان وذكائه: أولاها (يا صاحبي) لطلال المداح، وثانيتها (أنا في انتظارك) لأم كلثوم، وثالثتهما (كل دا كان ليه) للأستاذ محمد عبدالوهاب.. لينتهي الحفل، ويتوجه الحاضرون إلى موائد العشاء.. وأنصرف مع المنصرفين.
* * *
في طريق عودتي.. كنت أحمد لنفسي أنني انتصرت على ترددي، وحضرت هذا الحفل الرائع والجميل.. لأرى وأسمع، ولأكتب لأول مرة لـ(معاليه).. لنجدة (الجمعية) وفروعها من ضعف وشحوب إمكاناتها المادية، وكما تحدثت إليه عندما التقيته - لأول مرة - في حفل العشاء الذي أقامه على شرفه - سلفه - وزير الثقافة والإعلام السابق الدكتور عبدالعزيز خوجة.. عن (السينما) وحاجة الناس إليها!؟ فـ(الفن) كـ(الثقافة).. كـ(الرياضة).. هم رئتا المجتمع التي يتنفس بها، ويتوازن من خلالها!!