محمد بن فهد العمران
كنت أظن أن الأزمة المالية العالمية (التي ضربت اقتصاد العالم بأسره عام 2008م التي نشأت أساساً بسبب الرهون العقارية) قد قدمت لنا درساً مفيداً ومجانياً لتفادي تكرار الخطأ الاقتصادي القاتل التي وقعت به كبرى الدول المتقدمة، وهي التي كانت تملك خبرة كبيرة جداً في التعامل مع الرهون العقارية لعقود من الزمن، إلا أن ظني خاب وذهب أدراج الرياح مع تناقل وسائل الإعلام في المملكة مؤخراً تصريحات رسمية من كبار مسؤولي وزارة الإسكان توضح أنهم ينسقون مع مؤسسة النقد لإيجاد حلول حول نسبة الدفعة النقدية المقدمة للقروض العقارية لتصبح عند نسبة 15 في المئة بدلاً من نسبة 30 في المئة المطبقة حالياً!!
ففي الوقت الذي تقوم به كبرى الاقتصادات المتقدمة بإعادة تنظيم أسواق الرهن العقارية (بما في ذلك قيامهم برفع نسبة الدفعة النقدية المقدمة للقروض العقارية إلى ما يزيد عن 50 في المئة حالياً) لتصبح هذه الأسواق أكثر أماناً وتحفظاً، بهدف حماية المقترضين والمصارف والنشاط العقاري ككل، نجد وزارة الإسكان في المملكة وهي التي لا تملك أي خبرة في الرهون العقارية (بل لم يتم تطبيق الرهون العقارية لدينا حتى الآن) تتحرك في الاتجاه المعاكس، وتمارس الضغط المتواصل على مؤسسة النقد في سبيل تخفيض النسبة إلى 15 في المئة كما لو أن هذا الأمر هو الحل الجوهري لمشكلة الإسكان في المملكة، وهذا بلا شك أمر مؤسف.
أقول مؤسف لأنه في حال نجحت وزارة الإسكان بتخفيض النسبة إلى 15 في المئة، فهي حتماً ستقودنا إلى كارثة (لا قدر الله)، وكل ذلك في سبيل إيجاد محفز «هامشي» كلنا يعلم جيداً أن هذا المحفز لن يحل جوهر مشكلة الإسكان، بينما لو هبطت مستقبلاً أسعار العقارات بأكثر من 15 في المئة مثلاً (وهو احتمال وارد جداً) فإنَّ هذا المحفز سينقلب إلى سلاح مدمر لاقتصادنا الوطني والنشاط العقاري معاً، آخذين في الاعتبار أن أسعار النفط هبطت حتى الآن بنحو 70 في المئة، فيما لم تهبط أسعار العقارات بنفس النسبة، وأن سياسة فك الدعم التدريجي عن الطاقة والكهرباء والمياه ستضغط على أسعار العقارات، وأخيراً في حال تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء «بالشكل الصحيح» فحتماً هي الأخرى ستضغط على أسعار العقارات.
المضحك في الموضوع أن العرف الدولي في تسمية هذه النسبة هو العكس تماماً، أي أن في جميع دول العالم يتم الحديث عن نسبة قيمة القرض إلى إجمالي قيمة العقار (loan to value) للحديث عن هذا الأمر وليس عن نسبة الدفعة المقدمة إلى قيمة العقار!!! بينما حتى الآن أنا لم أسمع من مسؤولي وزارة الإسكان ومستشاريها مصطلح loan to value or LTV وهذه ظاهرة غريبة تدل على قلة الخبرة، ناهيك عن قلة خبرتهم في فهم مسببات الأزمة المالية العالمية أو فهم التغيرات التي طرأت مؤخراً على النشاط العقاري في أوروبا أو الولايات المتحدة أو حتى الإمارات العربية المتحدة طالما أنهم يريدون أن يقارنوا أنفسهم ببعض الدول العربية هم من اختارها بعناية!!