زكية إبراهيم الحجي
طبيب ومهندس ومتعلم..أي مستنقع تشربوا منه الغدر والخيانة..وأي فكر ومعتقد آمنوا به للدرجة التي تُفقدُهم الوعي بخطورة ما ارتكبوه بحق أقرب الأقارب لهم..سيناريو جرائم داعشية بين الأقارب وفاجعة تتلوها فاجعة باتت تتكرر من متوحشين خلت قلوبهم من الرحمة فاستباحوا الدماء المعصومة التي حرم الله سفكها دون وجه حق.
حادثة شهيد الطوارئ في منطقة القصيم والذي غدر به ستة من أقاربه الدواعش تعيد إلى أذهاننا قصص الغدر بالأقارب.. السيناريو الذي ظهر مؤخراً وبات يتكرر بين فترة وأخرى ولم يعد مقتصراً على استهداف المدنيين فقط بل تخطى ذلك إلى استهداف رجال الأمن.. فهل أصبح الإنسان ذئباً لأخيه الإنسان يقدمه قرباناً للوحوش المفترسة»الدواعش».
طبيب ومهندس ومتعلم وجميعهم يشغل وظيفة ويحصل على مرتب شهري شاركوا في تنفيذ الجريمة مما يثبت أن التطرف والإرهاب لا يعرف متعلماً أو جاهلاً أو أمياً.. وأن الأدلجة الدينية والأفكار المتطرفة التي تشربتها عقولهم غير السوية وسرت في دمائهم بصرف النظر عن مستوى تعليمهم ألغت وعيهم تماماً وأوهمتهم بأن فعلتهم هي الطريق إلى الجنة.. تعلمنا وكان تعليمنا أكثر عمقاً ودرسنا ما كان مقرراً لنا من مناهج الدين الحنيف ولم نشهد مثل هذه الجرائم إلا مؤخراً.. إخوة أشقاء يغدر بعضهم ببعض.. قريب تغذى على الفكر الداعشي يقتل قريبه.. ابن يُخون أباه فينحره متفاخراً بذلك ما الذي يحدث في مجتمعنا وأي لغز هذا الذي أصابنا بالحيرة لنقف عاجزين عن إيجاد شفرة تفكيك لهذا اللغز المستعصي على الحل.. ويبقى السؤال ما هي جذور الوحشية.. وهل الوحشية تستدعي الوحشية بمعنى هل ثلاثية القسوة والعدوانية وانعدام الأمن والتعاطف والاحتواء في البيئة الأسرية وبين أفراد العائلة الواحدة تعتبر ردود فعل مشتركة من قبل أولئك الذين عومِلوا بقسوة وعنف في حياتهم.
الناظر إلى مجتمعنا يجد وعلى الصعيد العمري أن نسبة الشباب الذين في سن الخامسة والعشرين وفيما دون هي نسبة غالبة في مجتمعنا ولا يُستهان بها وغالبية هذه النسبة معرضة للنزوع إلى التطرف نتيجة أي فعل مؤثر يعكر صفوها أو أن يكون هناك اخفاق في تكريس مواطنة فعلية وقوية تؤدي لانبثاق مشاعر التطرف نتيجة التشبع بهذا الفكر من خلال الكثير من المؤثرات.. كطرح الأفكار المتطرفة من خلال وسائل الإعلام المختلفة وغياب دور الأسرة في غرس القيم الإيجابية.. التبعية العمياء لطائفة بعينها والانغلاق الفكري حول مجموعة محددة من الأفكار..والأهم من ذلك كله الفهم الخاطئ لأمور الدين.
ولأن الفكر السقيم يُقارع بالفكر القويم لذلك لابد من مد جسور التواصل بين مؤسسات المجتمع المختلفة «الإعلام المساجد النوادي الأدبية والرياضية المدارس الجامعات والأسر»وعمل برامج توعوية وأنشطة متنوعة..تهدف للحد من هذه الظاهرة ومجابهة الانحراف الفكري والتصدي لأمواج الغلو والتطرف خاصة في الخطاب الموجه لشريحة الناشئة.
الارهاب وما يخلفه من مآسي ما هو إلا من إفرازات التطرف.. ومعالجة التطرف لا يكون إلا بالوسطية وتحصين المجتمع من فكر أولئك الذين يعتمدون على نظرة ضيقة للكون والحياة وينطلقون منها إلى تخطئة كل رأي مخالف لهم باسم الدين ويدينون الفكر المخالف لفكرهم وباسم الدين أيضاً الأمر الذي ينتهي بهم إلى تكفير الآخرين بل النيل من أعراض العلماء ووصمهم بصفات غير لائقة..
لكل بذرة ثمرة تناسبها ولكل مقدمة نتيجة متسقة معها.. ولكل منهج نتائجه التي تنبع منه وتعبر عنه والمنهج الأصيل يُثمر السعادة والراحة والاطمئنان لصاحبه.. والمنهج المتطرف يجلب لصاحبه وللمجتمع الشقاء.