د. خيرية السقاف
ما المثالية إن لم يكن اليقين سلمة، والحكمة مفتاحاً، وعصبة الأخلاق مكوِّناً..؟!
وكلها مزايا..
أليس الصمت في الغوغاء مزية؟!..
حتى الصمت النادر عند نشوب فريقين متنافسين في اللعب..!
لكن، ما وراء أكمة الصمت، مثلاً في غوغاء جمهور ناد رياضي يصرخ أفراده بعنفوان على المدرجات حين يسدد فريقهم كرته في مرمى منافسه غير كظم غيظ بالكاد يتحلى به أحدٌ..؟
مع أنّ أحداً في الواقع لن يفعل البتة..!
لكن ثللاّ من الموجوعين من وخز الداء، أو جرح البؤس يصبرون صبراً مثالياً، ..
والصامتون في حضرة السفيه صابرون ترفعاً،..!
والساكتون عن شكوى الفاقة يصبرون يقيناً..!!
والصبر مثالية في الاحتمال ، وفي التجاوز، وفي الصفح، وفي الأثرة،
وفيه السكوت، والصمت، لا يخرجان عن مساره إلا حين يكونان تخليا عن حق،
إذ لا مثالية لصمت، أو لسكوت عن حق
«قل الحق ولو كان مراً»
«قل الحق ولو على نفسك»
« قل الحق أو فاصمت»
هذه العبارات التي ذهبت أمثالاً _ في السياق _ ربما يكون قد داهمَ من قالها شيءٌ من وجع فُجاءة الصمت، والسكوت عن الحق،
كأن يفضي الصمت إلى ظلم بريء، أو سلب ذي حق، أو شهادة زور، أو نقض ميثاق، أو إخفاء دليل، أو ستر عدو، أو إمعان في تضليل..
لا وجه للصبر هنا بأي أداءاته، وشكل التعبير عنه..!!
في حين عند حضور السفهاء يترفع المثالي عن هذا الحضور صبراً بسكوته وبصمته عن الخوض، فانزووا
المثاليون يأبون السقوط في الوحل..!!
وفي حضور الآلام يكتمون وخزها بالصمت والسكوت عن الآهات صبراً وامتثالاً،
إنهم يرتجون....!
الصبر قوة داخلية، وجهها الخارجي الصمت، والسكوت..
هو درجةٌ مثلى من السلوك في التعبير،
ومنتهى رقي الذات في الإيثار، حين يكون في حقها، ومن أجلها..!
ولأنّ العدالة وضحاء،
ونورها ينبلج لا يتوارى، ولا ينزوي،
إنّ للصبر المثالي مثوبات قريبة ، وأخرى محفوظة بعيدة..
ما إن يرسخ اليقين في المثوبتين، يعتلي المرء سلمته بالقدرة على ضبط النفس،
ويرقى لمفتاح الحكمة في جميل التعامل صبراً معها، ومسلكاً إلى المثالية.
مع ما لها من الضريبة في المجاهدة، إذ لا أصعب مجاهدة من تمكين النفس من الصبر،
وضبطها عند الحاجة له في مسالكه ..
لكن هذا ليس محالاً، ولا هي حالة نادرة..!
فالمثاليون كثرٌ يصدقون مع قيمهم،
يصبرون على وعثاء دروبها. وعلى البشر الذين لا يلتقون معهم فيها.!!