محمد جبر الحربي
وقد كانت أولُ محاولةٍ ناجحةٍ للانعتاقِ من الأسْرِ، أسْرِ جاذبيةِ الأرض في الأغلبِ للأخوين كارتر عام 1903 بطائرتهما wright flyer في كارولاينا الشمالية في الولايات المتحدة الأمريكية، وفيما يُوثَّقُ أنَّ أولَ طائرة مدنية مسالمة كانت طائرة روسية عام 1913، لكنَّ البداياتِ الفعلية للطيران المدني التجاري كانت في أوروبا بين فرنسا وبريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى بدءاً من عام 1919، إذْ تمَّ تحويلُ الطائراتِ الحربيةِ إلى طائراتٍ مدنية، وبعد سنواتٍ من التطويرِ بعد الحربِ العالميةِ الثانيةِ، رأينا كيف تغيّر العالم، واختُصرت المسافات، ونمت التجارة العالمية، وانتشر العلم، وسهل وصول كل شيء إلى كل مكان، من حبّةِ الدواءِ إلى الكماليات، وانتقل البشَرُ بيسرٍ بحثاً عن العلم والعمل، واكتُشفت مواردُ الأرضِ على نطاقِ العالم، فنشأت دولٌ جديدةٌ، وتغير العالم تغيراً جذرياً بفضلِ الأجنحةِ، وهي هنا أجنحةُ خيرٍ وسلام. ولكنّ هنالك أجنحةٌ للشرِّ أيضا، صنعها الإنسان من الحديد البارد، لشنِّ الغارات والحروب، بدءاً بالأسلحة التقليدية وصولاً إلى أسلحةِ الدمارِ الشامل. إلا أنَّ رمزَ الشرِّ المحضِ فيها كان صناعةً أميريكية تتمثّلَ في «إنولا جي» الطائرة التي ألقَتْ أولَ قنبلةٍ نووِّيةٍ على هيروشيما فمحتها وأهلها، ومن بعدها ناجازاكي، وقد خلّفت دماراً ووباءً يمتد طوال التاريخ، وجرحا في الأخلاق والمثل لا يندمل، جرحاً اسمه:
Enola Gay و «إنولا قي» هو اسم الطائرة، وهو اسم والدة الطيار، الكولونيل بول تيبيتس، الذي يُعتبر بطلاً قومياً في وطنه الأم، لكنه يعتبر فيما يدونه التاريخ أكبر قاتلٍ فردٍ عرفته البشرية.
وهنالك عشرات الآلاف من أجنحة الحديد والنار التي ألقت ملايين الأطنان من القنابل الحارقة على المدن والبشر عبر العالم في فيتنام والعراق وفلسطين ولبنان على سبيل المثال لا الحصر، ومئات المدن والقرى، وقتلت وشردت الملايين: وقدْ كنتُ كتبتُ رسائلَ إلى أمريكا، إبّان العدوان الأمريكي على العراق واحتلاله وتجريفه وتخريبه وتجزئته وزرع الطائفية والمذهبية فيه حتى وصلَ إلى ما هو عليه اليوم، حيث انتهى كدولةٍ ذاتِ سيادةٍ وقانون، وهذا ما صرح به وزيرُ الخارجية الأمريكية قبل أيام، من حيث إن العراق وسورية كدولتين.. قد انتهتا، وذلك ما حلّ بليبيا، والسودان بشكلٍ أو بآخر، تلتهما اليمن منذ سنين، هذا ما أرادوه، وهذا ما كتبناه عن الخريفِ وقلناه أيضاً قبل سنين. وكنتُ قد كتبت هذه الرسائل بأسوبٍ نثريٍّ شعريٍّ ليسهلَ أمرُ ترجمتِها إلى الإنجليزية من بعد، وما زلتُ أحتفظُ بها مهيّأةً للنشر، وهذه دعوة مفتوحةٌ لمن يريد نفضَ جناحيه من المترجمين إلى العربيةِ، ونقلِها، لتصلَ إلى أصحابها مع الأجنحةِ المهاجرةِ إلى الشِّمال!
ومنها هذه الرسالة لهذه الطائرة الخبيثة المتوحشة:
أيتها العملاقة:
يا جبلاً من الكراهيةِ والحقد،
يا وحشَ أمريكا الأسود،
وتنِّينَ البنتاجون،
يا ديناصورَ الرعب،
وشبحَ الموت،
يا دمارَ العالم
أراكِ على بعدِ عمرٍ قصيرٍ
تقصفين أبناءكِ
وتَنْتَفِضٍينَ على جذوركِ البيضاء
كما أنني أرى النسرَ..
نسرَك الحديديِّ الذي زيَّن عوالمَ من بعثوك من الموت
منقضّاً على دِيَكَةِ أعيادِ الميلاد
ولْيذهبْ عندها «بابا نويل» إلى الجحيمْ!*
ورغمَ ذلك، فإنَّ الأجنحةَ تظلُّ ترتبطُ، في أعيننا وذاكرتنا، في نهايةِ المطافِ بالطيور، حيث الجمال والسلام والخيرُ والتسبيح، ويقظةُ وانتشاء الفجرِ، وسكينةُ وهجعةُ الغروبْ:
الطيورُ تدلّى على الأرضِ قبْل الثمرْ.
قلتُ نهجُ القصيدةِ
قلتُ قلائدُ حبٍّ من النِّسوةِ الصَّافياتِ كنونٍ
ونشوةُ يُسْرٍ
وسرُّ افتتانٍ
فقلْنَ الشَّجَرْ.
قد أتين فرادى وجمعاً
تلك هي العامريَّةُ
أمَّا فتلكَ هي الاسْمُ
قرْبي الخبَرْ.
فالطُّيورُ بشَرْ.
والطُّيورُ على مسْمعٍ في الجَلالِ وتَرْ.*
دمتم كما تحبّون وأحبّ، أجنحةَ خيرٍ لا شرّ، وخفقَ محبّةٍ لا حقدٍ وكرْه، ورسلَ حقٍّ لا باطل، وتغريدَ فرحٍ لا كآبةٍ وحزْن.