سهام القحطاني
«إن الإصرار الواضح على التفوق سوف يوحّد بالتدريج دول العالم ضد الولايات المتحدة مما سيجعلها في النهاية معزولة ومستنزفة»
- هنري كيسنجر
إذا أردنا إيجاز علاقة أمريكا والعرب، يمكن تأطيرها في محورين «الدين والنفط».
في عام 1980م صرح مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق للأمن القومي «بريجنس» قائلاً: «إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح اتفاقية سايكس بيكو». وبعد هذا التصريح بدأ الإعداد لخارطة جديدة للشرق الأوسط بقيادة برنارد لويس الذي وصف العرب والمسلمين بأنهم «قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضّرهم، وإذا تركوا لأنفسهم فسوف يُفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات».
وقد قدّم لويس مشروع خارطته للكونجرس الأمريكي عام 1983م، وفي عام 2003م نُشرت خارطة مشروع إعادة تقسيم الشرق الأوسط في مجلة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية.
ويعتمد برنارد لويس في نجاح مشروعة على طبيعة المجتمع العربي الذي يصفه لويس بأنها طبيعة «مصطنعة وحديثة التكوين تفتقد ثقافة الهوية الوطنية وقوة الولاء للدولة، وهو ما يجعل حضور المجتمع المدني كبنية رئيسة لتلك الطبيعة هشّاً وضعيفاً، متى ما تم التخطيط القوي لإضعاف مركزه من خلال اللعب على التعددية المذهبية والعرقية في الدول العربية وتحويلها إلى فتيل فتنة تهاوى وتفكك. والتخطيط القوي هنا يتم من خلال ثلاث وسائل ثورة المفاهيم كما دعا شمعون بيرز في كتابه «الشرق الأوسط الجديد» عام 1993م، وثورة الأفكار كما دعا دونالد رامسفيلدا عام 2002م، وقبلهما نشر الديمقراطية والقيم الأمريكية في العالم العربي.
فتلك الوسائل هي أدوات تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي يفكك العالم العربي إلى تسعين دويلة أو الذي يقوده إلى فوضى خلاّقة حاصلها دويلات محشودة بعداء بعضها البعض.
ويعلّق المفكر الإسلامي محمد عمارة على مشروع لويس «إن المخطط مكتوب ومنشور بكل اللغات، ونحن طوال هذه العقود نكتب، ونخطب، ونحاضر، لننبه قومنا إلى خطره المدمر لنهضتنا، بل لوجودنا، ومع هذا يتهمنا عملاء بأننا ضحايا نظرية المؤامرة».
تعتبر الولايات الأمريكية إله الرأسمالية والليبرالية في العالم منذ نشأتها، هذا يعني أن حراك خطابها وقرارها السياسيين يسيران في ضوء بنية النشأة تلك. ولذا لا نستغرب عندما تأتي نظرية «نهاية التاريخ» لفوكوياما لتعلن أن القرن الحادي والعشرين هو قرن الليبرالية والديمقراطية الأمريكية بامتياز ولذا كان من أشد المؤيدين لغزو العراق ونشر الديمقراطية الأمريكية في العالم.
وفكرة تعميم الديمقراطية الأمريكية جاءت القسم لجورج بوش الابن «إن رسالة الولايات المتحدة هي جلب الحرية والديمقراطية إلى أقصى أركان المعمورة وأشدها حلكة ثم القضاء على الطغيان».. وهو قول يذكر بقول هنري كيسنجر «التحولات العالمية المهمة صنعتها القبضة». ولذا فالخطوط كلها مُؤلفة لصناعة شبكة صيد واحدة؛ يقول «توماس فريدمان» عام 1991م «اليد الخفية للسوق لا تستطيع العمل دون قبضة خفية.. فماكدونالدز - على سبيل المثال - لا يستطيع الازدهار دون مكدونيل دوجلاس شركة أسلحة أمريكية عملاقة».
وهو قول يدعم المبدأ الذي شُرّع من خلاله أمريكا حربها مع الآخرين؛ حماية أمن ومصالح أمريكا في المنطقة، ومن أجل تحقيق ذلك الأمن والحماية مستعدة أن ترتكب أبشع الجرائم وإعادة إحياء صور الإمبريالية بأكثر من طريقة.
كان الموقف العربي بقيادة الشهيد الملك فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله -، عندما استخدم النفط كورقة ضغط سياسية على الغرب عام 1973م، ناقوس خطر نبه أمريكا والغرب عامة على مدى قوة العرب إذا لجأت إلى سلاح النفط، ومن هذا التنبيه بدأت الدراسات والمخططات الأمريكية تُؤلف و تُدبر لمنع تكرار ما حدث عام 1973م. ففي عام 1975م أعدت لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأمريكي إمكانية القيام بعمل عسكري ضد دول منتجة للنفط عند محاولتها فرض حظر نفطي.
وفي دراسة نشرتها مجلة «فورتشون» الأمريكية عام 1979م بعنوان التدخل العسكري في منابع النفط جاء فيها: «لقد أوضح كل من براون وزير الدفاع، وبريجنسكي مساعد الرئيس كارتر لشؤون الأمن القومي، مؤخراً أن الولايات المتحدة ستتخذ خطوات بينها استخدام القوات العسكرية الأمريكية لحماية مصالحنا في الخليج» - ناصر الزمل، لماذا يكرهوننا-.
ويذهب الخبراء النفطيون في الولايات المتحدة إلى أن حجم الاستهلاك العالمي في حالة النمو الاقتصادي سيكون في الفترة من العام 2000م وحتى العام 2025م أعلى من كل المراحل السابقة في التاريخ، وهو ما يدفع النفط إلى أن يكون السلعة الأهم في العالم.
وقد أعلن وزير الطاقة الأمريكي السابق «جونهارنجتون» عام 1987م أن العراق «يعوم على بحيرة من النفط، وأن احتياطاته التي تبلغ نحو ربع الاحتياطات، وفي هذه الحالة إذا استطاعت السيطرة على العراق ونفطه من خلال الغزو ووضع حكومة عميلة هناك، فإنها يمكن أن تتحكم في حجم الإنتاج العالمي من النفط من خلال مضاعفة حجم الإنتاج العراقي، ويمكنها بذلك أن تعمل على خفض أسعاره بشكل كبير، بما يحقق مصالحها كأكبر دولة مستهلكة ومستوردة للنفط في العالم، حتى لو أدى ذلك إلى تدهور اقتصادي يصل إلى حد الكارثة بالنسبة للدول المصدرة الرئيسة للنفط» - السابق - وهو ما شهدناه في الفترة السابقة.
في عام 1989م وفق الرئيس بوش الأب على قانون الأمن القومي ينص على «الحصول على نفط الخليج وحماية الأصدقاء في المنطقة جزء من الأمن القومي الأمريكي» - ناصر الزمل - وبذلك فلا يمكن أن نُخرج النفط من معادلة حكاية صراع العرب مع أمريكا.