فاطمة العتيبي
يحدث أن تستمع لأول مرة للغة، فتشعر بالدهشة وتسأل عنها، فيقول لك من حولك إنه اليوم يصادف ذكرى الاحتفاء باللغة المندثرة، فتسأل متى وكيف ومن كان يتحدث بها وكيف اندثرت؟ وهل من أمل في بعثها من جديد؟
ومن هذا لغة السأسأة التي سمعتها لأول مرة في بدايات اهتمامي بالشأن العام، وكم تمنيت أن نحتفل باندثارها، لكن كل ما ضعفت وتآكلت قيض الله لها من يبعثها من جديد، ونحن نعلم أن الله سبحانه يريد أن يختبر صبرنا، وأنه العلي القدير يريد أن يمحص ذنوبنا بهذا الابتلاء العظيم.
من منكم لا يشعر بالضيق الشديد حتى لتضيق عليه نجد والدهناء كلما سمع خطاب وزير يكثر من السأسأة (سنفعل وسنترك)، فتمر الأيام عليه سراعاً وهو بين بشت وفلاش وسجادة حمراء تنافس سجاد الأوسكار وكان، يتنقل بكل خفة ورشاقة بين سا وسوف وما بينهما ويترك لنا الأمل خافتاً مؤذناً بالرحيل.
بعضهم يرحل وهو لم يستنفد ساءاته وسوفاته، فيغادر وفي قلبه شيء من حتى، وبعضهم وخاصة الصف الثاني يظل في الحلق (ناشب) لا يتحرك ولو شربت معه بئر ماء، يظل يسأسئ ويسوسف على رأسك حتى لتكاد أنت أيضاً تقع بما وقع فيه، لولا أن الله رفيق بك فلا يجعلك في موضع شماتة حين تفعل ما كنت تعيبه على غيرك.
لكل دولة لغة سأسأة لكن لغة مسؤولينا ثرية جداً، فهم يسأسون سراً وجهاراً، ليلاً ونهاراً، لا يمنعهم من ذلك إلا تعبهم وإعياؤهم، ليس من العمل، لا حاشا وكلا، بل من السأسأة والسوسفة، ولربما سأسأوا في أحلامهم أيضاً كما تسأسئ العصافير الوادعة في أحلامها.
لكل ابن آدم ابتلاء، والابتلاء فرصة تهتبل لكسب الأجر، وأظن أن السعوديين سيدخلون الجنة من غير حساب ولا سابق عذاب لصبرهم على سماع لغة السأسأة التي يتبارى في إتقانها عموم المسؤولين التنفيذيين، لا يسكتها عنا إلا قرار ماض من سلمان الحزم والعزم، فكل مسأسئ سيسأل عن ما سأسئ به ولو بعد حين، وذلك ولا شك أدعى لترشيد السأسأة والسوسفة حتى يأتي علينا يوم من الدهر نحتفل بذكرى لغة السأسأة المندثرة ونستعيد سيرة أبرز المسأسين المندثرين، الذين بددوا المال والوقت في سأسأة لم تترك لنا لا شعيراً ولا حصيراً!