خالد بن حمد المالك
لا آتي بجديد حين أتحدث عن نجاح الزيارة التي قام بها الأمير محمد بن نايف لفرنسا، فقد فصّل البيان الرسمي الذي صدر بعد انتهائها كل ما يمكن أن يقال عن نجاحها، فلم يترك بذلك فرصة للتوقعات والتخمينات، وأسكت كل من راهن على فشلها، أو توقع عدم نجاحها، إذ جاء البيان معبراً عن سير المباحثات مع كل مسؤول، وفي كل موضوع، بما يمكن أن يقال عن نجاح الزيارة وفقاً للبيان المشترك، ما لا يمكن أن يكون هناك أقرب من البيان في وصف الزيارة ونتائجها، وما تم التوصل إليه من وجهات نظر متطابقة بما كان على جدول أعمال المباحثات من موضوعات حرص ولي العهد على بحثها مع الأصدقاء الفرنسيين.
***
وعندما أركز على البيان الختامي، فأنا بذلك أبتعد عن الاجتهادات التي كانت مقبولة كتوقعات قبل الزيارة، لكنها بعد انتهاء الزيارة وصدور البيان الرسمي بما تم الاتفاق عليه تصبح الاجتهادات والتوقعات بلا قيمة ما لم تتوافق مع ما جاء في البيان الختامي، الأمر الذي يجعل من البيان خارطة طريق لمن يريد أن يتعرف على المستجدات في العلاقات السعودية الفرنسية في ضوء زيارة الأمير محمد لباريس، والتأكد من أن مسيرة العلاقات بين الدولتين تتطور بسرعة وفي كل المجالات، وأنها تتمتع بروح من التعاون المتميز الذي تمتد آفاقه إلى سنوات وحقب طويلة.
***
ومن يقرأ البيان المشترك فسيجد أنه وفر عليه البحث عن نتائج الزيارة، واختصر له المسافة للوصول إلى ما يود معرفته عن القيمة الإضافية للعلاقات السعودية الفرنسية، فقد عبر البيان عن كل موضوع كان مثار نقاش بين الجانبين، فترجم أهمية الزيارة بما أشار إليه من توافق واتفاق على ما حملته ملفات الأمير من موضوعات، أو تلك التي رغب الجانب الفرنسي أن يُطلع ولي العهد عليها للتوصل معه على ما يعزز العلاقات بين البلدين.
***
لقد أشار البيان إلى علاقات الصداقة والتعاون التي تجمع بين المملكة وفرنسا، وأن الزيارة الأميرية كانت فرصة لجولات من المناقشات الرسمية بين الطرفين، وأن الاجتماعات سادتها روح التقدير والصداقة المتينة، كما سمحت بمراجعة ودراسة آفاق التعاون الثنائي في جميع المجالات، وكذلك السبل المتاحة لترسيخ وتعزيز الشراكة الإستراتيجية القائمة بين البلدين على جميع الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والصناعية والتعليم والثقافة، وأن الجانبين أعربا عن رغبتهما في تطوير مجالات تعاون جديدة في مجال الاستثمارات لدى الجانبين.
***
وإذا كانت هذه هي الروح التي سادت مباحثات ولي العهد مع المسؤولين الفرنسيين، فقد كان طبيعياً أن تكون مدخلاً لتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وأن يكون هذا المناخ عاملاً مساعداً في التعرف والاتفاق على السبل الممكنة لتعزيز الأمن والاستقرار الدوليين في ظل روح الشراكة التي تجمعهما في مجال محاربة الإرهاب، ولهذا جددا التزامهما بمحاربة تنظيم داعش في إطار التحالف الدولي، وأيد الجانب الفرنسي تشكيل التحالف الإسلامي المناهض للإرهاب ودور المملكة في ذلك، كما أعرب الجانبان عن استعدادهما للتعاون الثنائي الذي يرمي إلى مكافحة التطرف والعنصرية والطائفية والحد من ظاهرة العنف بما فيه العرقي والديني.
***
وحول الموضوع السوري، فقد تطابقت وجهات النظر بأن الخيار الأفضل لإحلال السلام ينحصر في التوصل إلى حل سياسي موثوق، لأنه الطريق الوحيد لإرجاع السلام بشكل دائم، وقد أعاد الجانبان التأكيد على دعمهما للهيئة العليا للمعارضة السورية، وفي الشأن العراقي دعا الجانبان إلى برنامج للمصالحة الوطنية يشمل جميع مكونات المجتمع العراقي، وتحدث البيان عن التطورات في اليمن، بتأييدهما للسلطة الشرعية في البلاد وللإتلاف العربي، وفي شأن آخر لم يغب لبنان عن مباحثات الطرفين، فأعربا عن دعمهما لوحدة واستقرار لبنان، كما تناول القضية الفلسطينية بتأييد المبادرة الفرنسية بعقد مؤتمر دولي حول هذا الموضوع، مع أهمية استناف عملية السلام بين فلسطين وإسرائيل.
***
وهذا الاختصار الذي أشرنا إليه عن البيان الرسمي المشترك، لا يفي ولا يغني عن التفاصيل الكثيرة والمهمة التي وردت في البيان، ولكننا قصدنا من هذه الإشارات التأكيد على أهمية الزيارة، والتأكيد على نجاحها، وقد يكون ما لم يعلن من توافق يرتقي إلى مستوى ما أعلن عنه وأكثر من حيث أهميته في مسيرة العلاقات الثنائية، وتأثيره بملامسته للقضايا الدولية، ودائماً المملكة وعلى امتداد تاريخها، يُحسن قادتها اختيار الموضوعات والدول والأزمنة والأمكنة لإيصال رسائلهم، وللتعاون معهم على نحو جعل المملكة دائماً في مكانة عالية من التقدير والتثمين لأدوارها وتعاونها لدى الدول الأخرى.