سمر المقرن
التسجيل الصوتي الذي انتشر بصوت مساعد كابتن طائرة (بيشة- الرياض) كان مؤلماً للغاية، الاستنجاد بالإسعاف لينقذ زميله الذي يموت بين يديه، مما تبيَّن أن هناك وقتاً طويلاً مضى يقارب الـ 25 دقيقة تخاذلت فيها الخدمات الأرضية عن إيصال السلم الذي كان سيصعد عليه فريق الإسعاف.. تباينت الأقاويل إلا أن التسجيل الصوتي كان هو الفيصل الذي يحمل الدليل والبرهان على التخاذل.
المفارقة أنه في صباح اليوم نفسه حدثت قصة تخاذل أخرى، هذه القصة لم يروها لي أحد، وليست شكوى من قارئ، إنما حدثت لي شخصيًا عندما كان من المقرر لي السفر على رحلة طيران الخليج في السابعة صباحاً، وكنت يومها مجهدة وأشعر بالمرض لكنني مضطرة نظرًا لارتباطي بموعد عمل، وبعد صعودي إلى الطائرة شعرت باختناق فأبلغت طاقم الطائرة حتى لا يتم إغلاق الباب، وقد حاولوا مشكورين مساعدتي وتقديم إسعافات أولية لم تنجح حيث تبين أن سبب حالتي الصحية هو هبوط في الضغط وصل إلى 60/45، فما كان إلا أن أنزل من الطائرة، وقام الطاقم بإبلاغ الخدمات الأرضية عن ضرورة عودتي وتقديم الإسعافات لي، لكن حضر أحدهم دون حتى مقعد متحرك لنقلي، إذ إن حالة هبوط الضغط التي أمر بها كانت تمنعني من الوقوف على أقدامي فكيف بي أن أمشي عليها!
لم يتأخر وصول المقعد المتحرك، لكن تأخر وصول الإسعاف وتبين لي أنه لم يتم استدعاءهم من الأساس، وكنت أجلس على المقعد المتحرك قريبًا من موظف الجوازات الذي يجلس على المكتب المقارب للكاونترات مشغولاً باللعب في جواله، وكنت أرجو منه الاستعجال في طلب الإسعاف بعد أن بدأت حالة التنميل تشل أطرافي، وكان يرد: (بينادونهم الشباب).. وعندما وجدت الوضع بهذا الشكل وأن كل همهم هو إلغاء خروجي من نظام الجوازات وأنني في حالة تشبه الاحتضار طلبت من العامل الذي يسوق الكرسي المتحرك مساعدتي في إخراج هاتفي من الحقيبة لأساعد نفسي طالما ليس هناك من يساعدني، واتصلت بإحدى قريباتي التي اتصلت فورًا بإسعاف المطار وطلب النجدة فحضروا بعد اتصالها مباشرة.
في الحقيقة، لم أقم بإثارة هذا الموضوع إعلامياً ولم أكن أرغب بهذا، لولا قصة كابتن رحلة بيشة/الرياض الكابتن وليد محمد - رحمه الله - وذلك بهدف وضع أيدينا على الخلل، لأن هناك خللاً حقيقياً في هذه المسألة كنت شاهداً عليه بنفسي. لاحظت أيضاً أن مكان العيادة في صالة رقم (2) الخاصة بالوصول وتعتبر بعيدة مقارنة بمساحات المطار الكبيرة، وأعتقد أنه من المهم إيجاد عيادة طوارئ في كل مبنى، وأتمنى أن يوضع هذا في حسبان المبنى الجديد الذي ما زال تحت الإنشاء، أضف إلى ذلك ضرورة ترميم العيادة وخصوصاً دورة المياه المتهالكة، والاهتمام بهذه العيادة الوحيدة أكثر.
رحم الله الكابتن وليد محمد، الذي مات شهيدًا وشاهدًا على التخاذل، وأحمد الله الذي كتب لي عمراً جديداً لأروي هذه القصة هنا لعلها تكون سبباً في عدم التخاذل عن إنقاذ غيري من المرضى، وأشكر فريق طائرة طيران الخليج الذين أحاطوني بالرعاية إلى حين تسليمي إلى الخدمات الأرضية، وكذلك أشكر فريق الإسعاف الذي هبّ لنجدتي بعد اتصال صديقتي بهم، والحمد لله أنني ما زلت معكم إلى اليوم.