د. محمد عبدالله الخازم
كتبت سابقاً حول هيئة التخصصات الصحية، وضرورة إصلاحها عن طريق منحها الاستقلالية كهيئة مجتمع مدني مستقلة وذات نظام حوكمة تشرف عليه جمعية عمومية تمثل المتخصصين في مجالات عمل الهيئة. واستكمل رؤيتي في هذا الشأن بالمطالبة بفصل التدريب الطبي عن هيئة التخصصات الصحية ليكون ضمن هيئة أو مركز مستقل، حيث أن التعليم الطبي يحتل جزءاً كبيراً من عمل الهئية ويحمل تعارض بين مهام إعتماد برامج التدريب مع تنفيذها أو مع مهام الهيئة الأخرى المتعلقة بالتصنيف والترخيص...إلخ.
ولكي نعرف حجم التدريب الطبي لبرامج التخصص العام او الزمالة والتخصص الدقيق، فإن عدد أقسام التدريب التي تعترف بها الهيئة يبلغ 1056 مركزاً تقدم 256 برنامجا، كما أنه يتقدم سنوياً لاختبارات القبول بتلك البرامج حوالي 2000 اختبار أو أكثر، كما أنه يتدرب حوالي 600 متدرب زمالة في مختلف المستويات.
قضية تدرب الدراسات العليا ليست خياراً، فالطبيب دون تخصص ليس له مستقبل. لدينا توسع كبير في الكليات الطبية والصحية مما يعني تزايد خريجي تلك الكليات بشكل كبير يستوجب مزيد من الجهد ومزيد من البرامج التدريبية. للأسف، في الماضي لم نهتم كثيراً بهذا الأمر حيث كان تأهيل الأطباء للتخصص منصباً على الابتعاث للدول المختلفة. الآن لا يمكن ابتعاث الجميع، بل ولا يمكن ابتعاث أكثر من 20% في الوقت الراهن وسينقص هذا الرقم بنسبة كبيرة. لذلك لا خيار لدينا سوى الاستثمار في البرامج المحلية وتطويرها للوصول لمستوى التميز العالمي...
رغم اجتهاد هيئة التخصصات الحالية فإنها وأمام الضغط المجتمعي والحاجة توسعت - مشكورةً- بشكل ملحوظ في البرامج المحلية. لكن العديد منها ليس بالجودة المأمولة، بدليل صعوبة إجتياز الإختبارات النهائية ومعاناة كثير من خريجيها في الحصول على القبول بالبرامج العالمية المتقدمة كالأمريكية والكندية والألمانية وغيرها.
من هنا، نحن بحاجة إلى تأسيس هيئة أو مركز - أو سموه ما شئتم- مستقل لتدريب التخصصات الطبية لمراحل الزمالة والتخصصات الدقيقة. بحاجة لأن نركز جهودنا في هذا المجال، كما نحن بحاجة للتخفيف عن كاهل الهيئة الحالية وتركيز جهودها في قضية التنصيف والتسجيل والترخيص..إلخ.
يلاحظ حالياً بأن برامج التدريب تقدم بطريقة منهكة إدارياً للقائمين عليها فلا يكفي أنهم مجرد إدارة ضمن إدارات هيئة التخصصات الصحية، فإنه مطلوب منهم متابعة ومراقبة كل هذا العدد الضخم من برامج ومراكز التدريب والقيام بالمهام التنفيذية الأخرى في القبول والاختبارات وغيرها. لذلك سيكون مناسباً أولاً؛ تركيز جهود المركز المقترح في اعتماد برامج التدريب وتقديم اختبارات شهادات الاختصاص وماعدا ذلك فيجب أن لايكون مسؤولية هذا المركز. ثانياً، العمل على تقليص هذا الحجم الكبير من الأقسام المراكز المرتبطة بالهيئة وربط جميع المراكز بالجامعات بحيث تتولى أقسام الدراسات العليا بالمدينة الواحدة أو المنطقة في الإشراف على برامج الدراسات العليا الطبية بنفس المدينة أو المنطقة وتتحمل مسؤوليتها في الاستفادة من جميع مستشفيات وأقسام المدينة أو المنطقة ذات العلاقة.
الجامعات أو جهة التدريب بالمنطقة أو المدينة يفترض أن تكون معنية بقبول وتدريب الأطباء ولا بأس من تأسيس نظام موحد لاختيار المتقدمين على غرار النظام الكندي أو الأمريكي.
علينا التعلم من الآخرين وأحدها - النموذج المفضل لدي- كندا التي دربت حوالي خمسة آلاف طبيب سعودي والعديد من برامج التدريب المحلية تحاول تطبيق مناهجها التدريبية. هيئة أو مركز التدريب المقترح أتصوره يشابه الكلية الملكية للأطباء والجراحين، أو كلية أطباء الأسرة بالاعتراف بالبرامج وتقديم الاختبارات المؤدية لمنح شهادة الاختصاص بينما المجلس الطبي الكندي معني بتقديم الاختبارات المؤهلة للقبول (شبيه بمركز القياس السعودي). الكلية الملكية أو المجلس الكندي لاعلاقة لهم بالقبول أو التدريب المباشر وإنما تلك مسؤولية كليات الطب المشرفة على برامج التدريب بمدينتها أو منطقتها، وهذا ما أتصوره من مركز أو هيئة التدريب الطبي السعودية.
الخلاصة؛ أصبح ضرورة ملحةً فصل التدريب الطبي عن هيئة التخصصات الصحية لتتفرغ الهيئة للتصنيف والتسجيل وليكون للتدريب جهة مستقلة للاعتماد والتقييم وقياس المخرجات.