رقية الهويريني
تأملت أحوال الناس ووجدت أنهم يسعون حثيثاً نحو الملذات من أكل وشرب وراحة وسياحة، وقبل ذلك الجري وراء المال بطريقة تدعو للتساؤل والعجب! بل رأيت التنافس على التملك في الذهب والعقار والسيارات والماركات! ولم أجد من يكون هاجسه العافية حتى لو كان صحيح البدن معافى الجسد! ولقد عـدّ النبي عليه الصلاة والسلام العافية أفضل ما أُعطِيَ العبد، فقال: «سلوا الله العافية فإنه لم يعط عبد شيئاً أفضل من العافية».
ومن الناس من يتوقع أنّ العافية تنحصر بالصحة فقط؛ ولكنها معنى عام يشمل العافية في الجسد وفي الولد والمال وحتى الدين والفكر والعقل! وسر العافية أن لا أحد يعرف قدرها ولا قيمتها إلا من فقدها! فما هو ثمنها إذاً؟
أغمضوا أعينكم قليلاً وتخيلوا أنكم فقدتم البصر لبرهة!
تخيلوا أنكم لا تشمون ولا تتذوقون أو لا تسمعون! بل تخيلوا أنكم سلبتم نعمة الأمن أو قيدت حريتكم! أو فقدتم والديكم أو أولادكم وأُسركم! وهي نعم لا يدركها إلا من فقدها!
والحق أنني لم أجد غير الإيمان والشكر سبباً لتدوم وتتكاثر النعم، ولم أر غير الجحود والعصيان لتحل بهما النقم! يقول تعالى {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.
وقد يخال المرء أنّ الشكر باللسان فحسب، والواقع أنه ينبغي أن تلهج جميع الجوارح بالثناء على المنعم، وأن تعمل بها أيضاً ولا تصرف في غير ما خلقها الله له. فاليد أعدّها الله للعمل والإنتاج وحين تصرف للسرقة فهو كفر بالنعمة ويستحق المرء العقاب، وقد يحرم من هذه النعمة بقطع يده أو السجن والتعطيل! فالجزاء من جنس العمل! ومن يحفظ جوارحه ويستغل قوّته وصحته في الصغر بما ينفعه يجدها في الكبر تخدمه، ومن يهملها بتناول الأكل الضار والشرب المؤذي فإنّ شيخوخته ستكون مؤلمة! وهو من التفريط بالعافية والكفر بها.
والعجيب أنّ العافية إذا دامت جُهلت وإذا فُقدت عُرفت! لذا فإنّ الله جلّ وعلا يحرمها المرء فترة من الزمن، ليعود إليه منكسراً طالباً لها باحثاً عن أسباب الفقد، فيراجع نفسه ويصحح مساره لتؤوب له العافية.
أسأل الله لي ولكم العافية الشاملة، وراحة البال.