د. عبدالرحمن الشلاش
الوطنية بداية ليست شعاراً يرتديه الفرد متى شاء ثم يخلعه متى أراد. الوطنية عقد يلزم الإنسان بواجبات عظيمة تجاه وطنه، وهو عقد يمتد من المهد إلى اللحد، وأي إخلال بشرط من شروطه يعني الخيانة فما بالك حين يخل أحدهم بكل الشروط.
شبكة التجسس المؤلفة من مجموعة من الأفراد المنتسبين لهذا الوطن العظيم ويحملون جنسيته وقعت في وحل الخيانة العظمى حين ارتضت تزويد الأعداء بمعلومات عن الوطن. أحد هؤلاء الخونة الجبناء كان أستاذاً في إحدى أعرق الجامعات السعودية، ابتعثته الدولة على حسابها لسنوات طويلة يدرس في أمريكا مع عائلته تتحمل كافة نفقاته وعلاجه، وثقت فيه وأعطته بلا منة. عند ما ابتعث لم تنظر إلى طائفته بل إليه شخصياً كونه مواطناً يحمل هوية سعودية، وطبقت عليه المعايير التي تسري على الجميع، وحين عاد وظفته أستاذاً مساعداً في الجامعة يتمتع بكافة المميزات من رواتب ومكافآت وسكن وسفر لحضور مؤتمرات، والالتحاق بدورات هذا عدا الانتدابات، استمر إلى أن بلغ درجة أستاذ وما كان ليبلغ هذه الدرجة لولا العطاء والدعم والتشجيع من الدولة، أخذ أكثر من حقه فماذا قدم لهذا الوطن؟
ربما أن غيره أخذوا ولم يعطوا فنظر إليهم الناس بأنهم سلبيون كغيرهم من السلبيين في كل البلدان، لكن هذا اللئيم المتنكر لخيرات هذا البلد أضاف للسلبية الخيانة العظمى حين رضي أن يكون جاسوساً لدولة الفرس. كشف الله ستره في وقت ينتظر الوطن منه ومن غيره رد الجميل في وقت شدة يحتاج فيها الوطن لكل أبنائه، وفي وقت أصبح الكذب والتضليل والتدليس سمات يصطبغ فيها إعلام الأعداء للهجوم على المملكة، وفي وقت تحتاج فيه البلد هذا الجاحد وغيره لتوجيه الشباب لحمايتهم من الانجراف مع الجماعات الضالة خاصة وأنه يحمل مؤهلاً عالياً في أصول التربية، لكن للأسف أوضحت المواقف أنه كان بحاجة لتربية كي تترسخ لديه المواطنة ثم تتمثل في سلوكه. منح منبراً أكاديمياً عالياً يعز على كثيرين لكنه لم يحسن التعامل مع معطياته فأساء. نزعات الشر في داخله طغت على كل شيء فاستجاب لدعوة العدو كي ينضم لصفوفه ضد وطنه. باع الأرض والأهل والزملاء والأصدقاء وكل الناس. أكاديمي ومع ذلك لم يدرك جيداً عواقب تجسسه لصالح الأعداء على كل هذه المكونات.
في الرخاء والشدة التمسك بالوطنية عقيدة ليس بالكلام فقط وإنما بالعمل. تجد للأسف بعض الأشخاص يهمز ويلمز بحق وطنه في أي مناسبة، ويروج ما يبثه الأعداء من شائعات لضرب اللحمة الوطنية خاصة وأن ما يصلنا من أكاذيب وتلفيق ينشر ويتداول من أشخاص يفترض أنهم مواطنون إما جهلاً منهم، أو تعمداً من بعضهم. هناك أشخاص يستغلون بعض الظروف إما الخاصة أو العامة للطعن والتشكيك في الدولة واتهام مخلصين يعملون من أجل وطنهم لا ذنب لهم سوى أنهم يختلفون معهم في التوجهات، يرفعون شعار الوطنية في الأوقات التي تناسبهم، لكنهم يرتدون على أعقابهم عندما لا تناسبهم الأوضاع، متلونون بعضهم لا يرى الوطن سوى حفنة من التراب.