فهد الحوشاني
وجود أعداد كبيرة من عمال النظافة لرفع النفايات والعلب الفارغة وكراتين المناديل وغيرها من الشوارع والأرصفة... لا يعني سوى شيء واحد! هو أن لدينا مشكلة مع النظافة! كثرة أعداد من ينظفون قمامتك في الطرقات يكشف مستوى تمدنك! ليست هذه هي المشكلة فقط، المشكلة الأعظم أننا تصالحنا مع هذا الوضع معتقدين أنه أمر طبيعي مثلما اعتدنا أن الخادمة في البيت هي التي يجب عليها تنظيف كل شيء ورفع الأواني بعد الأكل وترتيب السرر وغير ذلك من الأمور التي يجب أن نعود أطفالنا على فعلها بأنفسهم، اعتاد البعض على إلقاء القمامة في الشوارع والحدائق دون أي شعور بالخطأ، وأن دور الدولة هو دفع مئات الملايين لشركات النظافة! ذلك العدد الهائل من العمال يوضح حجم القمامة التي ظلت طريقها إلى براميل النفايات وسكنت الشوارع والأرصفة وحتى الطرق الطويلة بين المدن. لم نشاهد في شوارع الدول المتقدمة مثل هذا الكم الكبير من العمالة (الراجلة) لأن الناس لايرمون نفاياتهم في الشوارع والطرق بل يستهجنون من يفعل ذلك!! للأسف الأمانات إكتفت بدور الموفر للعمالة كعلاج للعرض دون علاج هذا المرض الاجتماعي المزمن ودون تطبيق فعلي للإجراءات التوعوية أو الوقائية أو حتى العقابية التي أقرتها لتحد من هذا الاستهتار ودون توعية مستمرة تساهم في الحد من هذه الظاهرة!
في أحد شوارع لندن رمى أحد (العرب) منديلاً كما تعود! ومن سوء حظه أن عجوزاً أفنت عمرها في المحافظة على نظافة مدينتها وشعارها الذي تطبقه بصدق هو ذلك الشعار الذي نتناساه (النظافة من الإيمان) كانت تلك العجوز تسير خلفه، فلحقت به ووضعت المنديل في جيبه وقالت له إذا وصلت لبلدك فإبمكانك أن ترميه بهذه الطريقة!!
باستطاعة الإنسان أن يسكن بيتاً فخماً ويمتلك سيارة جديدة ويسافر في كل صيف ويشتري أغلى الماركات ولكن (الفلوس) لا تجعله متمدنا! بل يمكن أن يمتلك كل تلك الكماليات وأكثر ولكنه لا يطبق ما يناسبها من سلوكيات.. عالم الاجتماع (أو قبرن) يفسر ذلك بالهوة الثقافية أي أن تمتلك الكثير من الكماليات والكثير من ما تنتجه الحضارة الحديثة، ولكن إذا لم تتعامل مع منتجات الحضارة بما تستحقه من سلوكيات فأنت في مشكلة، كما يفعل سائق لديه سيارة صنعت كوسيلة مواصلات ولكنه يقودها بما يخالف الأنظمة التي تضبط إيقاع السير وتحدد كيفية التعامل مع المركبة والطرق والسرعة وغيرها!
لقد فرضت أمانة منطقة الرياض غرامات على رمي المخالفات ولكنها لم تسع لتطبق ذلك بشكل فعلي وتركت هذه المهمة لمتطوعي (عين النظافة) ولم تعلن تلك المخالفات بكل الوسائل الممكنة فأحياناً الإعلان عن العقوبات يعدل من سلوك المستهترين ويردعهم! والنظر إلى النظافة بشكل عام بهذا التدني ينسحب على النظرة المتخلفة إلى عامل النظافة فهناك من لا يحترمه وينظر إليه نظرة دونية، والنظافة بحسب مفهوم الإنسان غير المتمدن ليست شيئاً مهماً! ولقد أعجبني ما قامت به بعض المدن لتعزيز النظرة إلى عامل النظافة مثل ما قامت به بلدية محافظة عنيزة قبل سنتين، وما عملت به إذاعة الرياض من تكريم لعمال النظافة لديها ولكن تظل كل الأفكار والمشاريع الجميلة مؤقتة وسرعان ما يطويها النسيان.