د. محمد بن عويض الفايدي
الوصم بالإرهاب عاظم رمزية الإرهابي، وجعل من الشخصية الإرهابية صورة نمطية لأبشع أنواع السلوك الإجرامي الذي عظمه الإعلام وجعله شبحاً تنبعث من معسكره فوبيا جريمة سوداوية قاتمة تقتل وتتوحش في القتل بأساليب مرعبة ووسائل مفجعة تستوحي إستراتيجية
صهيونية متطرفة، يبدو أنها تُمهد لنشر ثقافة تقبل القتل من أجل التمهيد لمشروعات أكثر إمعاناً في قتل الناس، وانتهاك حقوق شعوب ودول ومجتمعات بمليشيات حشديه يُحشد لها ويُستدعى لها الأوباش والمتطرفين والمنحرفين وأكابر المجرمين بين مخططين وممولين ومنظرين وميسرين منتفعين وأغرار منفذين.
ينسلخ الفكر من فكر، ويشتق التنظيم من رحم تنظيم، ويُترجم السلوك من قدوة إرهاب سابقة تُمجد التطرف وتُجدد خطابه الإجرامي بذرائع تصنع الإرهاب في قوالب تصاغ على إيقاع ديني مؤدلج، ونزاعات عسكرية، وصراعات سياسية، واختلافات مذهبية، وانقسامات عرقية، وخلاصة ذلك كله مصالح اقتصادية وأهداف نفوذ توسعية ومنافع مادية ضيقة تتنازعها الايرادات وتُحققها مظلة الإرهاب وتتحقق بها.
المشهد العام لشبح الإرهاب يُظهر الإرهابي على السطح في صورة المنتصر المحطم لكل المبادئ والمثل والقيم السائدة والغالبة في المجتمع بما يُعظم في نفسه نشوة الجريمة الإرهابية التي تُوصم بأنها تُعيد الحقوق المسلوبة، وتقتص لكل الفئات المقهورة؛ لتظهر سناريوهات متكررة تُمجدها الشخصية الإرهابية وتتزعمها وتنادى بها لتمعن في القتل وتوغل في سفك الدماء واستباحة الحرمات.
منظومة جديدة لإستراتيجية التنظيمات الإرهابية في حجم وعدد العمليات الإرهابية وتزامن تنفيذها وتبادل الأدوار، وتوسيع دائرة المجموعات المشاركة من أسرة واحدة أو عشيرة، وتعمية مواقع التنفيذ، وأساليب التخفي والهروب بعمليات إرهابية تبعث بإشارات تصاعدية لحجم التكتل الإرهابي والتنكيل بالضحية التي أضحت لا تُباغت بل تُستدرج بحكم أمان النسب والصهر والدم ثم تُقتل تحت مشاهد الاستغاثة والاستجداء بكل أواصر الرحم التي تم تقطيعها في صور تجاوزت مبادئ الدين وأعراف وقيم المجتمع.
قراءة السلوك الكلي للإرهاب يعكس سياسة مرحلة أسواق الإرهاب التي تتوسع في الافتتاح بين الدول لتصعيد وتعويم الأهداف وجعلها ضبابية، وتعميم الإرهاب واستثارة حفيظة القسوة في الرد، لإيجاد شرخ في البيئة المستهدفة خاصة بين مكوناتها الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية من أجل تعميم الفوضى وتعميق الهوة لفتح ثغرة في جدار الانتماء الوطني لتدور رحى الصراع على هذا الإيقاع في استدعاء لمبادئ متضادة تحطم القيم وتبعث على التناحر والتشرذم، وحقيقتها توجهات مصلحية بأجندات دول إقليمية وعالمية.
عالمية الإرهاب فرضت إستراتيجيات للتعاون وتبادل المعلومات عن الإرهابيين والمنظمات الإرهابية، ولكن قاعدة الإرهاب الدولي تتسع أُفقيًا وتتعمق رأسيًا لعدم التناسق بين الأهداف التي يضعها البناء الثقافي في المجتمع والوسائل التي يضعها البناء الاجتماعي ويسن نظم وقوانين تنفيذها، ومحاولة تخطيها يفرز نماذج من السلوك المتدرج أشدها تطرفًا السلوك الثوري الذي يرفض الأهداف والوسائل ويثور عليها، ويأتي بأهداف ووسائل من طرفه لتدمير المجتمع وفرض عليه نمط سلوك من وجهة نظر هذه المجموعات وتلك التنظيمات التي ظاهرها التمسح بالدين الإسلامي إما تطرفًا أو طائفيًا، والإسلام النقي بريء من هذه الأدلجة التي تُبطن ما لا تُظهر من الصراع المصلحي والنفعي الاقتصادي والسياسي والنفوذ التوسعي المبطن الذي يستهدف ثروات الشعوب وأمنهم الوطني لمصالح الصهيونية العالمية وأمان دولة إسرائيل الذي تسعى إيران الفارسية لخدمة أهدافه الإستراتيجية وحمايته بأذرعها حزب الله في لبنان ونظام الأسد البائد في سوريا ومليشيات الحشد الشعبي في العراق وطائفة الحوثي المجرمة في اليمن.
ضبابية دور الدول المؤثرة في مكافحة الإرهاب وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تراجع تأثيرها في ظل ولايتين للرئيس الأمريكي الحالي يُترجمها دور التحالف الدولي غير الجاد الذي تقوده لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، وجعله يتمدد في ليبيا وتونس والأردن وغرب إفريقيا، وتجاهل القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في دولة ذات سيادة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشريف، وما يتعرض له ذلك الشعب من إرهاب وقهر وقتل على أرضه المغتصبة، والتقاضي عن جرائم إيران وحشدها الشعبي في العراق، والنظام السوري وإجرامه غير المسبوق بحق الشعب السوري الذي يستحيل أن يكون شعبه وينتهك حرماته بهذه الجرائم البشعة التي لم تشهد البشرية لها مثيل.
الاستقرار الذي كانت تنعم به منطقة الشرق الأوسط كان يوفر قاعدة صلبة للتعاون القضائي والأمني والاتفاقيات الثنائية والمتعددة للوقاية من تهديدات الإرهاب العابرة للحدود، ولكن هذا الدور تراجع بعد سقوط العراق واحتلال سوريا واعتداء الحوثي على الشرعية في اليمن وسلب الإرادة في لبنان وبقائها بدون رئيس، وتمزيق ليبيا، والاضطرابات في مصر وتونس، والذي بدوره أدى إلى تراجع الدور الفاعل لتبادل المعلومات والجهود القضائية والأمنية بين هذه الدول عن الإرهابيين والمنظمات الإرهابية وتحركات المشبوهين، وما صاحبه من نشوء وكالات مخابرات خاصة تهيمن على تجارة المعلومات وتسبق مخابرات الدول وتنافسها مع تحول ميدان المعلومات من الأرض إلى الفضاء الكوني الذي يٌعد ساحة التنافس في كسب رهان المعلومات الإستراتيجي الذي تتسابق إليه الدول.
يبدو أن الكشف بالأقمار الصناعية سيكون هو الرهان الإستراتيجي الذي سوف يُوظف أدوات التصوير الضوئي وأنظمة التنصت الكهرومغناطيسي التي تتيح كشف الإشارات الصادرة عن الأقمار الصناعية وتوجيه مسارها والاستفادة منها بدرجة قد تجعل السلاح الكهرومغناطيسي السلاح الإستراتيجي الأكثر فاعلية الذي ستتسابق الدول في امتلاكه، وسيصبح مصدر القوة والهيمنة المؤثر في مجال السيادة والريادة الدولية وصراع الإيرادات بين الدول القوية والمؤثرة في الساحة الدولية، وفي نفس السياق ستسعى التنظيمات والمجاميع الإرهابية نحو الإرهاب غير التقليدي في شكله الكهرومغناطيسي والبيولوجي والكيميائي والنووي، وقد يدخل الجيل الثالث من الإرهاب دورة إرهاب جديدة تُعظمها المصالح الدولية ويُسهل التطور التقني سبل ارتكابها ومحو أثارها، ويستمر التحريض سبب رئيس في إذكاء جذوتها باستقطاب صغار السن وتجنيدهم وتحفيزهم فكريًا بعمليات افتراضية ما تلبث أن تتحول إلى هجمات حقيقة تفوق التصور والتأمل، وبالتالي تتطلب تجريم وعقاب مانع وأق يمتد إلى كل من له علم بتكون الجريمة الإرهابية في أي مرحلة من مراحلها وبأي طرف من أطرافها على مستوى الأسر والأفراد، وتوسيع دائرة المسؤولية الاجتماعية لتتحمل كافة مؤسسات المجتمع دورها في الوقاية والمعالجة والتصدي وقسط كل مؤسسة من المسؤولية الجنائية على تبعات أي سلوك إرهابي يتصل بمنظومتها من الأفراد والجماعات ووضع عقوبات نظامية لذلك معلنة ومحددة.