د.علي القرني
معظم دول العالم، وخاصة تلك الدول التي لها علاقات عسكرية، أو سياسية، أو اقتصادية، أو ثقافية لها إطلالات تلفزيونية على العالم العربي، ومن أشهر تلك القنوات الإذاعية التي امتدت إلى تلفزيونية BBC، وصوت أمريكا، امتدت إلى قنوات الحرة، وغيرها كثير جداً قنوات تلفزيونية فرنسية، وألمانية، وصينية، وكورية، وغيرها.
ولكن أحدث وأهم الإضافات الجديدة التي دخلت العالم العربي هي قناة «روسيا اليوم» التي أصبحت تحت مسمى أر تي RT. وليست «روسيا اليوم» حديثة على وجه التحديد، ولكن مستجدات أحداث منطقة الشرق الأوسط أوصلتها إلى اهتمام الرأي العام العربي، حيث تشارك بقوة، وبحضور طاغٍ في كثير من الأحداث العربية والدولية، حيث كان تأسيسها عام 2005م، بعد أن استحدثتها شبكة نوفستي الإخبارية، ثم سلمتها للحكومة الروسية التي وجدت منها مطية للدعاية الروسية في العالم.
وكانت بداية البث باللغة الإنجليزية، ثم بعد عامين بدأت بثها باللغة العربية أي عام 2007م، ثم بعد عامين بثت باللغة الإسبانية عام 2009م، ثم استحدثت قنوات موجهة لأمريكا RT America، ثم قناة RT UK موجهة للمملكة المتحدة. ولا شك أنَّ اهتمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بهذه القنوات الموجهة هو اهتمام كبير جداً، فقد كان وراء امتلاك الحكومة الروسية لهذه الشبكة الروسية ودعمها، حيث رفع ميزانيتها من حوالي خمسين مليون دولار إلى أكثر من ثلاثمائة مليون دولار، ورفض بتاتاً أن يصل ميزانيتها أي ترشيد مالي مهما كانت الظروف. كما قام بزيارته التاريخية إلى قنوات RT عام 2013م، وهناك كشف أنَّ هدفه من هذه القنوات هو كسر سيطرة الإعلام الإنجلو أمريكي على الساحة العالمية. وتقدم قناة RT العربية تغطيات واسعة جداً لأحداث منطقة الشرق الأوسط، وخاصة لسوريا، حيث تحظى هذه القناة باهتمام النظام السوري، وتعطى امتيازات كبيرة داخل الحماية السورية.
كما تغطي هذه القناة بتوسع في اليمن، وفلسطين، وإيران، والعراق، فهي مناطق ذات اهتمام خاص بالنسبة للسياسة الروسية.
وعلى الرغم من التنوع الموجود في هذه القناة الروسية باللغة العربية في جنسيات مذيعي ومذيعات القناة، إلا أنَّ السيطرة هي لكوادر من سوريا موالية إلى حدٍّ ما لتوجهات نظام الرئيس بشار الأسد، وكأنها في كثير من الأحيان تابعة لوزارة الإعلام السورية، وخاصة في القضايا الإستراتيجية للنظام السوري. وكنت قد تابعت برنامجاً استمر عدة ساعات في نهاية السنة الماضية 2015م، تم من خلاله الالتقاء بكثير من مندوبي القناة العربية في مختلف دول العالم، حيث تم استضافتهم في إستديوهات القناة في موسكو، وتحدث مديرو الأخبار، ومسئولو البرامج السياسية، ومقدمو ومقدمات نشرات الأخبار، وجميعهم كانوا يحاولون أن يوصلوا فكرة استقلالية القناة عن الكرملين، وهذا طبعاً لم يقنع المشاهد العربي.
وتتبنى قنوات RT السياسة الروسية بالكامل، وتعكس وجهات نظر الحكومة الروسية، وخاصة أفكار الرئيس فلاديمير بوتن تحديداً، حيث سبق أن قال عن امتلاك الحكومة الروسية لهذه القناة إنها تعد أمراً حيوياً للسياسة الروسية في العالم.
وتشارك بانتظام بتغطيات مباشرة من مواقع الأحداث العالمية، حيث تعكس حيوية في مثل هذه التغطيات، وتعطي وجهات نظر روسية في تلك الأحداث، سواء انتخابات أمريكية، أو مؤتمرات جنيف، أو تفجيرات في سوريا، أو العراق، أو أحداث في إيران، أو أوكرانيا، وغيرها من المناطق. وربما من أهم نشاطات هذه القناة هو فتح أرشيفات الاتحاد السوفيتي سابقاً من خلال حوارات مع عسكريين، ودبلوماسيين، وسياسيين عاشوا وعملوا في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة المنطقة العربية، فبدؤوا يشرحون خلفيات تدخلات الاتحاد السوفيتي في شئون منطقة الشرق الأوسط. ومثل هذه البرامج تعدُّ إضافة جديدة للمشاهد العربي.
ومما يعكس انحيازية جماهيرية المشاهدة لهذه القناة هو التصويت الذي يتم على وجهات نظر بعض الشخصيات التي يتم مقابلتها، فمعظم التصويت يأتي لصالح وجهات نظر سورية، أو إيرانية، أو شخصيات تدعم مواقف هاتين الدولتين تحديداً، إضافة إلى وجهات نظر روسيا، وهذا ما يعكس أنَّ نسبة المشاهدة لهذه القناة هم من ذوي الميول الروسية/ السورية/ الإيرانية. ولا يعني هذا أنَّ القناة لا تتناول بموضوعية بعض أحداث المنطقة، أو أنها تستبعد وجهات نظر دول أخرى، كالمملكة، أو دول الخليج في أحداث المنطقة.