د.علي القرني
الانتخابات الأمريكية تعود من جديد إلى واجهة الأحداث العالمية، لتحتل عناوين الصحف ونشرات الأخبار وتتصدر اهتمامات وكالات الأنباء العالمية، وهذا العام - مثله مثل كل أربعة أعوام - هو عام انتخابات ستسيطر حتما على اهتمامات الرأي العام العالمي.
وقد بدأت يوم الاثنين الماضي الانتخابات التمهيدية أولا في ولاية أيوا الأمريكية بين مرشحي الحزبين الديموقراطي والجمهوري. وحتى كتابة هذا المقال تنبأت شبكة CNN الأمريكية فوز تيد كروز عن الحزب الجمهوري منتصرا على المرشح العنصري دونالد ترمب، في حين تقارب كبير بين هيلاري كلنتون وبرني ساندرز في الحزب الديموقراطي لصالح هلاري كلنتون.
وسينتظر العالم بما فيهم الأمريكيون إلى نهاية هذا الصيف ليعرفوا المرشح النهائي لكل حزب عند اجتماع الحزبين، في حين أمريكا والعالم سينتظر إلى أول ثلاثاء في نوفمبر القادم ليعرفوا من سيفوز في الإنتخابات الأمريكية، وسينتظرون أيضا إلى يناير 2017م حتى يسلم باراك أوباما السلطة للرئيس (أو الرئيسة) الجديد للولايات المتحدة الأمريكية.
وينظر الكثير من الجماهير الأمريكية إلى انتخابات الرئاسة كأنها مباراة في كرة القدم الأمريكية أو مباريات الورد سيريز للبيسبول أو نهائي كرة السلة الأمريكية، فهي مباريات أو معارك رياضية ينتظرون في نهايتها خروج فائز في المباراة. هذه هي الطقوس الإنتخابية التي تحدث كل أربع سنوات للرئاسة الأمريكية، وهناك انتخابات في الظل لمجلسي النواب والشيوخ ولحكام الولايات وغيرها من المناصب في الولايات كل عامين تقريبا.
ومنطقة الشرق الأوسط معنية بالولايات المتحدة، فقدر هذه المنطقة أن تكون الولايات المتحدة الطرف الأكثر تأثيرا على الوضع السياسي والعسكري للمنطقة، وباعتبار الرئيس الأمريكي هو صاحب سلطة كبيرة في السياسة الأمريكية فإن المنطقة معنية بموضوع الرئاسة الأمريكية. وجميع دول المنطقة معنية بسؤال من سيكون الرئيس الأمريكي القادم؟ بل لنقل أن كل دول العالم معنية بمن سيكون الرئيس الأمريكي القادم، لأن الولايات المتحدة دولة عظمى ولها تأثيرها الكبير على السياسات الدولية والأزمات التي يمر بها العالم، أو هكذا تبدو الأمور.
واستطاعت الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أن تصبح قوة عظمى في العالم وتخلت بعدها عن مبادئها في التوحد نحو نفسها وانطلقت إلى العالم لتصبح طرفا مؤثرا على مناطق العالم، بما فيها منطقة الشرق الأوسط وخاصة بعد إنشاء الكيان الإسرائيلي ودولته على الأراضي الفلسطينية عام 1948م. وفرضت قوتها في العالم التدخل في شئون المنطقة وخاصة النزاع العربي الإسرائيلي. وتخلل هذه العقود التي اشتغلت بالقضية الفلسطينية موضوع احتلال العراق للكويت وظهور تحالف عالمي لإخراج صدام حسين من الكويت. ولكن خلال العقود الخمس الأخيرة من القرن العشرين كانت القضية الفلسطينية هي التي فرضت وجودها على هموم المنطقة واهتمامات الرؤساء الأمريكيين.
ولسنوات طويلة امتدت إلى عقود كانت القضية الفلسطينية هي القضية الأولى في المنطقة حتى بداية الألفية الحالية، عندما تفجرت قضية الإرهاب مع أحداث 11 سبتمبر 2001م، وظهور القاعدة وما تلاها من التدخل العسكري والغربي في أفغانستان ثم العراق، ثم جاء العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ليظهر الربيع العربي ثم ظهور داعش كقوة إرهابية، كما نشوء إيران كدولة مارقة وإرهابية مثلها مثل كوريا الشمالية وارتباطها بالقاعدة وتوفير مؤوى لقادتها وتقديم الدعم لهم.
الآن منطقة الشرق الأوسط ممتلئة جدا بأزمات ستنتظر الرئيس الأمريكي القادم، فهناك أزمات في سوريا والعراق وليبيا واليمن وتونس ومصر ولبنان، إضافة إلى بقاء فلسطين القضية الأكثر استمرارا في العالم. والشرق الأوسط لم تعد ملفا واحدا، بلا مجموعة من الملفات الكبيرة التي تتأزم يوما بعد يوم. ونجح الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يترك جميع هذه الملفات مفتوحة دون أن يغلق أي ملف من هذه الملفات.
ويظل الثابت في السياسة الأمريكية هو بقاء الثوابت التي اعتدنا عليها في السياسة الأمريكية وهي دعم إسرائيل وعدم فرض الحلول التاريخية عليها، ولهذا فإن تغيير اسم أو شخصية الرئيس الأمريكي ليس له تاثير على مجريات القضية الفلسطينية، فسواء كانت كلنتون أو ساندرز أو كروز أو حتى ترمب أو غير هذه الأسماء التي قد نتفاجأ أبها في مسيرة الانتخابات القادمة. فهناك ثوابت للسياسة الأمريكية لا يستطيع ان يغيرها أي رئيس أمريكي، وحتى باراك أوباما حاول أن يغير مثل هذه السياسات أو يفرض بعض الحلول العادلة للقضية الفلسطينية ولكنه لم يتمكن. ولهذا فإن القناعات المؤكدة أن التغيير في القضية الفلسطينية لن يأت من البيت الأبيض أو أروقة الكونجرس بل سيأتي من الأرض من الناس في الضفة الغربية وفي غزة، فهم الذين سيفرضون الحلول الحقيقية للقضية. كما يمكن أن نقيس الكثير من الأمورعلى ذلك، فالسياسة التي اتخذها باراك أوباما كانت تتسم بالتردد والخوف من التداعيات كما هي الحالة في الأزمة السورية. ولهذا لن يحدث اختيار الرئيس الأمريكي القادم أي تأثير يذكر على أوضاع منطقة الشرق الأوسط.