اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والإعلام عبر وسائله المختلفة يضطلع بمسؤولية دينية ووطنية وأخلاقية يمارس مهامه على أساسها بغية توعية وتنوير الداخل وعرض الصورة الوطنية الصحيحة أمام الخارج، تنفيذاً للرسالة الإعلامية التي تؤمن بميثاق الشرف الإعلامي والمهني، وهذه الوسائل بأنواعها المقروءة والمرئية والمسموعة، وما يقوم مقامها تهدف في بُعدها الأول إلى إصلاح المجتمع..
وتبنّي قضاياه من أجل معالجتها والبحث عن الحلول الممكنة لها مع تقديم ما يمكن تقديمه من دراسات هادفة في شتى المجالات، كما تهدف في بعدها الثاني إلى قياس مستوى التنمية، ملقية الضوء على ما حققته الدولة من إنجازات وما لم يتحقق بعد، بوصف القسم الإعلامي المكتوب يمثل المجتمع ويتحدث باسمه، ناهيك عن البعد الثالث الذي يعتبر محل اهتمام الإعلام وشغله الشاغل وهو التركيز على ما يخدم المصالح العليا للدولة وعناصر قوتها الوطنية، ودور الإعلام في هذا الجانب الذي ينطلق من منطلقات سيادية ترتبط بسياسات الدولة الداخلية والخارجية، ويدخل في هذا البعد التصدي للإعلام المعادي عن طريق العمل المضاد ومقارعة الحجة بالحجة لتفنيد الإفتراءات ودحض الشائعات، بما في ذلك تعرية الخصم وكشف خبثه السياسي وتدليسه الإعلامي أمام الرأي العام والمجتمع الدولي، وغير ذلك من الأدوار التي يؤديها الإعلام في السلم والحرب.
وإذا كانت الفقرة السابقة تمثل خطوطاً عريضة ونقاط عامة لدور إعلامنا الوطني الذي يحاول عبر كوادره المخلصة أن يحترف مهنته ويحترم كلمته ويخدم أمته، فإن هناك بعض الإعلاميين الذين تحولوا إلى صدى لأبواق الأعداء عبر ما يطرحونه من طرح يخدم الأعداء ويضر بالدين والوطن والأمة، بحيث دأبوا على ترديد ما يقوله الأعداء بشأن الربط بين الإرهاب وبين الإسلام السني، في حين لا يختلف اثنان على أن الإرهاب مصنوع من قبل قوى عالمية وأجهزة استخباراتية وأنظمة وتنظيمات إجرامية أرادت من وراء صناعته الإيقاع بالعرق العربي والمذهب السني وتحويل دول المنطقة إلى دويلات لخدمة أهداف استعمارية ومشروعات جيوسياسية، تعتبر الدولة العبرية المستفيد الأول منها، وأدوات تنفيذها تتمثل في النظام الصفوي والأنظمة والتنظيمات الموالية له في المنطقة بالإضافة إلى العناصر الإرهابية نفسها تحت رعاية القوى الكبرى وبإشرافها ومشاركتها الفعلية على الأرض.
كما ذهب هؤلاء القوم في الصلف والجناية على الذات إلى أبعد من ذلك مطلقين نعوت التكفير والدواعش على من يختلف معهم، عندما يستدل بأدلة دينية وبراهين شرعية تطعن فيما يتبنونه من أفكار ويستحسنونه من سلوك، وهذه الألقاب والنعوت هي التي يطلقها الصفويون الفرس والروافض العرب على أهل السنة والجماعة الذين يتصدون لاعتداءاتهم وينكرون ممارساتهم في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان والبحرين وغيرها، واستخدام هذه الألقاب الضالة والنعوت المضلّة من قبِل بعض أهل السنة ضد بعضهم يعني اعترافاً بها ومناصرة لأهلها، وهذا وربي هو منتهى التجني على الذات والجناية عليها بما ينطوي عليه من التخاذل من جهة وظلم النفس من جهة ثانية وتأليب الأعداء على الدين والوطن والأمة من جهة ثالثة منطبقاً عليهم المثل الذي يقول: (جنت على نفسها براقش).
وبعض المتعاطين مع وسائل الإعلام عندما يتكلم عن تسييس المذهب الديني والمثالب الملازمة لهذا التسييس ينطلق في تفكيره من تياره الفكري الذي يعتنقه ونظريته السياسية التي يؤمن بها دون أن يضع في اعتباره موقف الدين من السياسة، وذلك التصادم الذي يحدث بين مفاهم الدين الأخلاقية مع ممارسات السياسة غير الأخلاقية باعتبار مفهوم الإسلام السياسي يعتبر مفهوماً غير دقيق إذ إن بعض السياسيين يستخدم هذا المفهوم كشعار أخلاقي لتغطية ممارسات سياسية مجافية للأخلاق، كما أن أول ما يتبادر إلى ذهن هذا البعض عند الكلام عن الإسلام السياسي هو تنظيم الإخوان مستعدياً شريحة من المكون السني لأسباب افتراضية أكثر مما هي حقيقية، بينما يقف موقفاً أقل عدوانية حيال عدو أزلي أبدي يتبنى مشروعاً للتشيع السياسي استطاع من خلاله أن يعيث فساداً في الأرض متخذاً من الطائفية المذهبية والبرجماتية السياسية والممارسات الإرهابية جسراً يعبر من خلاله لقتل البشر وتدمير المقر كما حصل في عدد من الدول العربية.
و بعض مَنْ يعتنق الفكر الليبرالي نحا بهذا الفكر منحى أخرجه عن مفهومه المنضبط وسياقه الصحيح، وجعله يصطدم بالواقع الديني والسلوك المجتمعي، متعاملاً مع الفلسفة التي تقوم عليها الليبرالية تعاملاً سطحياً ضيقاً تغلب عليه العاطفة والمصالح الفئوية، بدلاً من بقاء هذه الفلسفة داخل حدودها وضمن قيودها الدينية والمجتمعية وخضوعها لضوابط العقل ومقتضيات النقل في بيئة منسجمة ومتكيفة مع ظروف المجتمع المحافظ، حيث غاب عن بال دعاة حرية التعبير المنفلت، والإصلاح المتلبس بالإفساد، أن كل أطياف المجتمع وفئاته تدعو إلى ما يدعون إليه، ولكن في شكل مقيد وصورة منضبطة، بالشكل الذي يحول بينهم وبين الإنزلاق في منزلق التجني على الدين والسقوط في درك الجناية على المجتمع.
وقد يجد هؤلاء لكل عمل ذريعة يتذرعون بها ومشجباً يعلقون عليه تجنياتهم وجناياتهم، ولكن ما هي الذريعة وأين المشجب؟.. عندما يتشابه عليهم البقر ويختلط أمامهم الأمر ولم تسعفهم البصيرة أو يشفع لهم البصر، فراحوا يقلدون الأعداء ويقتفون أثرهم، بل بعضهم قال ما لم يقله الأعداء، حيث اتهم أبناء وطنه بأنهم دواعش، وقلل من شأن مؤسسات لها فضل ديني وتربوي في البلد، حتى أن هناك من طعن في مناهج التعليم ومؤسساته، رغم أنه محسوب عليها، متجنياً على الدين من خلالها لحاجة في نفس يعقوب، علاوة على كيل الإتهامات بصورة مستمرة ضد ما يقوم به منسوبو الحسبة التي لها دور كبير في الحفاظ على الفضيلة ومحاربة الرذيلة على نحو يخدم أمن واستقرار الوطن والمواطنين، كما أن ثمة من نسب الإرهاب إلى السلفية المعتدلة التي يفترض أنه ينتمي إليها، تجنياً وجناية يرفضها الطبع وينفر منها السمع، في حين يضرب الصفح عن الإرهاب الصفوي الشيعي الذي تشهد عليه الأحداث الجارية في العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين وغيرها، مع توجيه التهم ضد الإسلام السياسي وإستهداف المكون السني من خلاله والتعامل مع التشيع السياسي على استحياء رغم ما جره على المنطقة من مآسٍ ونكبات، أدت إلى إهلاك الحرث والنسل وقتل وتشريد العباد، وخراب وتدمير البلاد، مثبتة هذه الأحداث أن الإسلام برئ من التشيع السياسي، وأن الخطر الحقيقي يكمن في أسلمته.
ومن شواهد التجني على الأمة والجناية عليها في دينها وأمنها واتهامها بالوقوع فيما لم تقع فيه وتأليب الأعداء عليها ما تقترفه بعض القنوات الفضائية، تلك الافتراءات التي تبثها وتروج لها على منابرها، وهي قنوات تبث سمومها من خارج الوطن مع أنها محسوبة عليه من حيث الملكية والتمويل متبنية سياسة إعلامية هدامة تنال من أمن المملكة بسبب ما تبثه من برامج مستوردة وأفكار دخيلة مصممة لخدمة جهات خارجية ذات أهداف عدوانية على حساب عقيدة الأمة ومصالحها العليا، مما يعتبر جناية على الذات وعقوقاً للوطن من قبل القائمين على هذه القنوات.
والشبكة العنكبوتية تعتبر من أكثر وسائل الاتصال استخداماً، وأيسرها بالنسبة للمستخدم الذي يجد فيها مجالاً واسعاً وأمراً متاحاً لنشر المعرفة وتداول المعلومة دون أن يعترض طريقة ما يعوقه من عوائق المسافة أو الزمن، ولكن البعض بدلاً من أن يستخدم هذه الوسيلة التي تشكل مصدراً من مصادر الثقافة وقناة من قنوات التواصل بين الشعوب بما يعود عليه بالفائدة، انحرف به مؤشر البوصلة في الاتجاه الخاطئ وجعل من النعمة نقمة، مستخدماً أياها فيما يضر وجاعلاً منها أداة من أدوات الشر ومنبراً من منابر الفكر الهابط والقول الساقط.
ومهما كانت الوسيلة المستخدمة سواء وسائل الإعلام التقليدية أو الشبكة العنكبوتية، فإن المادة التي يتخذ منها البعض ذريعة للنيل من الطرف المستهدف، قد تكون واحدة، فإتهام الدين بما هو برئ منه والإساءة إليه، والمماحكات والمناكفات باسم الوطنية والمواطنة هي القضية التي دائماً ما كانت محل المزايدة والمراهنة بصورة تكون محصلتها تجنياً على الدين وجناية على الوطن بسبب التحريض على الكراهية والبغضة في الداخل، وتأليب الأعداء المتربصين من الخارج، ولكون الشبكة العنكبوتية في متناول الجميع وأكثر استخداماً كما تصعب السيطرة عليها ومراقبتها، فإنها أشد خطراً وأكثر ضرراً على أمن الوطن والمواطن بسبب سرعة انتشار المعلومة عبر وسائل هذه الشبكة، فضلاً عن طابعها الإباحي وسمتها الفضائحية كما يظهر ذلك في بعض مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي ظل هذا الوضع الذي أصبحت فيه المملكة تخوض مواجهة على جبهات عدة، ويتربص بها الأعداء من كل مكان، والأفق المستقبلي مفتوح لكل الاحتمالات، فإن ذلك فرض نفسه على المشهد العسكري والسياسي، بفضل تبنيّ قيادة المملكة لسياسة القوة، وقوة السياسة عبر قراراتها الحاسمة وسياساتها الحازمة، بما في ذلك تحالفاتها العسكرية وتحركاتها السياسية داخل محيطها العربي والإسلامي وعلى المستوي الدولي، ونتيجة لتفاعل الأحداث والمواقف وانعكاس ذلك على عناصر القوة الوطنية في الداخل والخارج، وما يتطلبه الأمر من قيام الحاجة إلى زيادة وتيرة النشاطات الإعلامية التي تغطي حدثاً معيناً، وتقدم صورة توضيحية وقراءة تحليلية لهذا الحدث أو ذاك، وما يترتب عليه ضرورة إجراء مؤتمرات صحفية ومنتديات تحليلية وتصريحات رسمية ومقابلات صحفية وإعلامية.
وكل مَنْ يأخذ مكاناً أمام منبر معيّن لكي يقدم من خلال هذا المكان مؤتمراً صحفياً أو قراءة تحليلية أو مناقشة لموضوع مطروح للنقاش، يتعيّن عليه أن يمثل وطنه تمثيلاً حسناً وأن يعطي الصورة الوطنية المطلوبة لهذا الوطن والانطباع الجميل عنه، سواء على المستوي الرسمي أو الشخصي فلا يقول قولاً يؤخذ منه، أو يفتح من خلاله باباً يستغله الآخرون ضده ويكون حجة عليه، بل يحرص جاهداً على النجاح في مسعاه وبلوغ مغزاه، مع الأخذ في الحسبان أنه كلما كان الموقف رسمياً كلما ارتفع سقف تمثيل المتكلم لوطنه ومسؤوليته عن كلامه، وأصبحت الكلمة تحت المحك والمتكلم بها في المعترك.