سمر المقرن
في كل عام ننبهر من التواجد الكبير الذي يشهده معرض الرياض الدولي للكتاب، وتبدأ تتعالى في مقابلها صيحات الاتهام بأن الكثير من أولئك الذين أقبلوا على المعرض ورسموا فيه صورة من الاكتظاظ البشري، ما هم إلا أشخاص بعيدين كل البعد عن القراءة والمعرفة، ويبحثون فقط عن التجوّل والتسلية.
اعتقد أن مثل هذه النظرة الدونية التي توجّه سهامها إلى أفراد مجتمعنا خصوصاً من فئة الشباب، تعدّ نظرة ظالمة وغير واقعية، فإذا كانت هناك نسبة أرادت الاستعراض بشرائها مجموعة من الكتب وأخرى بالتجوّل وحسب، فإن من غير المنطقي أن يكون ذلك منهج الأغلبية من زوار المعرض، وإذا كانت هناك فئة بالفعل أرادت التجوّل لا أكثر فليس هناك ضير إطلاقاً، فما المشكلة من وجودهم في موقع تجتمع فيه حقول المعرفة والفكر؟، فهذا الوجود قد يكون له تأثيره الإيجابي عليهم ويدفعهم إلى محبة القراءة والإطلاع هذا إذا افترضنا أنهم بالفعل لا يقرأون.
معرض الرياض الدولي للكتاب يشكّل تظاهرة ثقافية متميّزة، ويُحسب ضمن الجهود المعدودة لوزارة الثقافة والإعلام، إذ استطاع المعرض أن يكون مقصداً لآلاف المثقفين والمفكرين والأدباء من المملكة والوطن العربي، وهدفاً للتواجد فيه للالتقاء بنظرائهم وتبادل المعارف والخبرات فيما بينهم، فضلاً عن الالتقاء بقرائهم للتعرف على رؤاهم ووجهات نظرهم حول إصداراتهم، ولا شك أن هذه الميزة التي اكتسبها المعرض منذ أعوام لم تكن نتيجة فئة لم يقع بين أيديها كتب سوى كتبهم الدراسية وأرادت الاستمتاع بالتواجد في مكان يشهد تجمعاّ بشرياً كبيراً، وإنما جاء نتيجة اهتمام اجتماعي تمثّله مختلف الشرائح ممن لديها شغف الإطلاع.
وبحسب دراسة مسحية حديثة أجريت على المجتمع السعودي جاءت بعنوان «اتجاهات القراءة الحرّة في السعودية»، فإن ما يزيد على 33 في المئة من أفراد المجتمع السعودي يتخذون من القراءة الحرة نشاطا يوميا، وأكثر من 17 في المئة يمارسونها كل يومين، وأوضحت أن القراءة الحرة هي بمثابة عادة لأكثر من نصف أفراد المجتمع السعودي، كما أفادت الدراسة بأن 68 في المئة من السعوديين يقضون أكثر من عشر دقائق في قراءة المطبوعات الورقية من صحف، ومجلات، وكتب، وقصص وروايات، بينما يقضي 75 في المئة منهم أكثر من عشر دقائق في قراءة النصوص الإلكترونية.
أجد أن تلك النسب الموضّحة أعلاه، فيها من المنطقية الشيء الكثير، فالمجتمع اليوم أصبح يعي أهمية القراءة والتعامل معها بوصفها تساعد في رفع الوعي والإدراك وتنمية الفكر، وأعتقد أن ما نراه من أراء وأفكار راقية عبر بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، يعكس لنا ما كان مدفوناً من عقول نيّرة لم تجد لها مساحة في وقت سابق للبروز وتقديم ما لديها من معارف للجمهور، وفي المقابل أظهرت لنا حقيقة بعض أولئك الذين يحظون بمساحات من الظهور وهم بدرجة متدنية من الوعي.
يجب ألا «نكذب الكذبة ونصدقها»، إذ علينا ألا نستسلم لتلك الأسطوانة المزعجة التي تقول «نحن أمة لا تقرأ»، بل يجب أن نتصدى لها معرفياً وسلوكياً ونواصل عملية إزالة تلك الصورة الذهنية المغلوطة، وأخيراً أقول.. أحسنوا الظن وأنصفوا القارئ السعودي.
بالمناسبة: الشكر الجزيل لكل من أسعدني بحضوره خلال حفل توقيع روايتي «كذبة إبريل» وعلى رأسهم والدي الحبيب «مقرن» الذي وقف إلى جانبي وما زال من بداية مشواري، وكذلك الأستاذ خالد المالك الذي شرفني بمفاجأة حضوره.