د. محمد عبدالله الخازم
بدأت مؤسسة التعليم التقني والتدريب المهني في عام 2013/ 2014 م ما أسمته كليات التميُّز التقنية التي تُدار عن طريق كليات أجنبية من كندا والمملكة المتحدة وأستراليا وغيرها. الفكرة في ظاهرها تمثّل نقطة تحول وشجع في تبنيها الوفرة المادية سواء عن طريق الميزانية الرسمية أو عن طريق صندوق تنمية الموارد البشرية الذي تكونت لديه أموالاً جيدة. لم تعلن عقود تلك الكليات، سوى ما تسرب من أخبار من مصادر خارجية (بريطانية وغيرها)، وبعضها أشار إلى أن العرض المقدم للكليات البريطانية لوحدها بلغ حوالي مليار ونصف المليار ريال، وعلى ضوئه تم تشكيل (كونسرتيوم) من عدة كليات للفوز بالمناقصة في المملكة.
بنيت الاتفاقيات على توقعات بتدريب أكثر من ألفي متدرب ومتدربة وحسابات محددة في عدد أعضاء هيئة التدريس مع التأكيد على وجود نسبة كبيرة منهم من نفس جنسية الكلية وغير ذلك من المعايير. وأسست تلك الكليات بمدن صغيره كالأفلاج وجازان والقطيف وغيرها.
بعد عامين تقريباً، يبدو أن مشروع كليات التميُّز التقنية يترنح ويعاني صعوبات عدة، حيث انسحبت أو في طريق الانسحاب عدد من الكليات، والبعض الآخر ينتظر إكمال عقده ولا يتوقع تمديد بقائه في السعودية. مؤسسة التعليم التقني والتدريب المهني - هل هذا هو الاسم الذي استقرت عليه بعد عدة تغييرات في المسمى- صامتة، رغم أنها قد تضطر للدخول في قضايا قانونية مع بعض تلك الكليات وقد ينهار ما اعتبرته المشروع الحلم لتطوير التعليم التقني بالمملكة.
تعاني تلك الكليات من ضغوطات تخصها في بلدانها تتعلق بأنظمة كل بلد والمساءلات التي تواجهها من مجالس إداراتها ومن مجتمعها الإعلامي والسياسي وغير ذلك. وكما هو متوقع فإنها وللخروج من أزمات النقد التي تواجهها ترمي باللائمة على المعايير وطريقة التعامل التي تواجهها في المملكة، فعلى سبيل المثال نجد كلية بريطانية تحتج بأن فصل التعليم للبنين عن البنات أعاق مشروعها بسبب ضعف الإقبال وعدم القدرة على الاستفادة من عضوات هيئة التدريس للتدريس بكليات البنين أو العكس، رغم أن مثل هذا الأمر معروف سلفاً لديها. وبعضها يحتج بمقاومة المجتمع السعودي ووجود صعوبات تتعلق بالسفر وتصاريح الدخول... إلخ. وبعضها تحتج بالتغيرات الاقتصادية والإدارية بالمملكة، المتعلقة بتغيرات أسعار البترول أو تغيير قيادات وزارة العمل والتعليم التقني وغير ذلك من الحجج. لا نستطيع الجزم بصحة أية تبرير، لأن المشروع بكامله افتقد الشفافية منذ البداية ولا أحد يتطرق لتفاصيله محلياً.
هل اتخذت خطوة التعاقد مع الكليات الأجنبية بشكل انفرادي دون التنسيق مع الجهات التعليمية والمالية والأمنية، وبالتالي لم يتم مباركتها من جميع الجهات مما قاد إلى الصعوبات؟
على سبيل المثال؛ لا أعتقد بأن وزارة التعليم - التعليم العالي سابقاً - كان لها كلمة في الموضوع وهو الذي أصبح يرتد عليها سلباً، حيث الحديث عن صعوبة التعاون مع الجهات التعليمية السعودية والتشكيك في إمكانية دخول الجامعات الأجنبية السوق السعودية دون تفريق بين مؤسسة وأخرى. يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه وزارة التعليم توجهها نحو السماح للجامعات الأجنبية لافتتاح فروع لها بالمملكة!
لقد أشرت منذ البداية بأنه ينقصنا الشفافية في مشروع كليات التميز التقنية، لذلك أتجنب إطلاق أحكاماً مسبقة وإنما أطالب مؤسسة التعليم التقني والتدريب المهني ووزارة العمل بأن توضح لنا كيف تمت عقود تلك الكليات وما هي الصعوبات التي واجهتها ولماذا انسحبت بعضها وبعضها تهدد بالانسحاب؟
التجربة في ظاهرها جميلة ولم نتطرق لها في بداياتها لأننا توقعنا أن إقرارها تم بناء على دراسات وتنظيمات مقننة، أما وقد بدأت مشاكلها تظهر على السطح، فيجب أن نعمل على مساعدتها لتجاوز الصعوبات التي مرت بها وتطويرها نحو الأفضل، حتى لا ننتهي تجربة أخرى من تجارب مؤسسة التعليم الفني التي لم يكتب لها النجاح. وأولى خطوات المساعدة تتمثّل في الشفافية حول تفاصيل اختيار وطريقة التعاقد والتمويل لتلك الكليات.