سعود عبدالعزيز الجنيدل
أكاد أجزم أن كثيراً من القراء سيختلف معي في موضوع هذا المقال، ولكني سأطرح الفكرة، وأتقبل كل الآراء.
أرى - من وجهة نظري - أن الظلم جبيلة في الإنسان، وأن الظلم غريزة كامنة فيه؛ فالإنسان مولود وهو يحمل هذه الصفة.
لا يصلح الكلام من دون استدلال، وإلا سيبقى مجرد كلام لا يرتقي إلى الكلام العلمي.
قال تعالى: {إِنَّ الْإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}.
قال السعدي - رحمه الله -: «أي: هذه طبيعة الإنسان من حيث هو ظالم متجرئ على المعاصي مقصّر في حقوق ربه كفَّار لنِعَم الله، لا يشكرها، ولا يعترف بها إلا مَن هداه الله فشكر نعمه، وعرف حق ربه وقام به».
فالشيخ - رحمه الله - يؤكد أن هذه طبيعة الإنسان، ولكنه حصر الظلم بالتقصير في حقوق الله وارتكاب المعاصي، ولكن الآية جاءت بلفظ الإنسان أي جنس الإنسان، ولم تخصص الإنسان المؤمن. فالإنسان بفطرته ظلوم، وهنا يأتي الدين ليحثه على منع الظلم؛ فالدين جاء ليربي النفوس ويهذبها، ويدلها على فعل الخيرات.
الآية الثانية قال تعالى {إِنَّه كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.
قال الشيخ السعدي: «... وعرضها الله على الإنسان على ذلك الشرط المذكور. فقبلها، وحملها مع ظلمه وجهله».
وهذه الآية أيضاً جاءت بلفظ الإنسان كما جاءت الآية التي قبلها، وهذا اللفظ كما يعرف اللغويون يفيد جنس الإنسان وليس أحداً معيناً.
أما إذا رأينا الشعراء ماذا قالوا فنجد مثلاً المتنبي يرى أن الظلم غريزة لدى الإنسان، وهي موجودة في جيناته، يتوارثها عبر الأجيال، وإن تجد إنساناً لا يظلم فهذا مخالف للفطرة الإنسانية، ولكن لو بحثت عن سبب امتناعه عن الظلم فستجد علة ما توضح لك السبب في عدم ظلمه، وهذه العلة أياً كانت هي السبب في مخالفة هذا الإنسان للفطرة، وهي الظلم.
يقول المتنبي:
وَالظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ
ذا عِفّة فَلِعِلّة لا يَظْلِمُ
ولو رجعنا بالتاريخ قليلا لوجدنا كثيراً من الأبيات تدل على ما وصلت إليه، ومنها أبيات للشنفرى في «لامية العرب»، يقول فيها:
ولي، دونكم، أهلونَ سِيْدٌ عَمَلَّسٌ
وأرقطُ زُهلول وَعَرفاءُ جيألُ
هم الأهلُ. لا مستودعُ السرِّ ذائعٌ
لديهم، ولا الجاني بما جر يخذل
فالشنفرى قد ترك أهله، واختار أهلاً غيرهم، وصفات هذا الأهل كما هو واضح في البيت الثاني:
1- يبقى السر عندهم طي الكتمان، ولا ينتشر.
2- لا توجد عقوبة للجاني، مهما كانت فعلته. وأي ظلم يتبناه هذا البيت المتوحش.
ويقول عنترة:
إذا ظلمت فإن ظلمي باسل
مر مذاقه كطعم العلقم
هذا البيت من معلقة عنترة، وهو يتغنى بطعم ظلمه، وهو ظلم باسل شديد المرارة، وطعمه كطعم الحنظل.
ويرى زهير أن من لم يبادر إلى ظلم الناس سوف يُظلم من قِبلهم.
قال في معلقته:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه
يهدم ومن لم يظلم الناس يظلم
أخيراً..
ليس هدف هذا المقال هو حثكم على الظلم، بل بالعكس تماماً، فالنصوص صريحة وواضحة في تحريم الظلم، وأن الظلم ظلمات، ولا ننسَ أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.
وهدف هذا المقال هو توضيح غريزة في الإنسان، وليس شيئاً آخر، ودائماً ما أقول: «علينا أن نقول وعليكم أن تتأولوا».