رقية الهويريني
كنت قد أشدت ـ في مقالاتٍ سابقة ـ بعلاج الإرهاب بالفكر لأنه مبعثه بالدرجة الأولى، ويتعلق بقناعات وآراء ومفاهيم وطموحات سياسية. وتراءى لي سابقاً أن مشروع المناصحة يعد أحد جوانب العلاج الفكري، ولا شك أن الإستراتيجية الحكومية لمواجهة التطرف بمناصحة الموقوفين في قضايا الإرهاب كانت رائدة، وحازت إعجاب كثير من الدول التي تعاني مثلما نعانيه في بلدنا، وتبذل جهوداً مضنية في مواجهة التطرف والتصدي للإرهاب.
ويقوم مركز المناصحة باعتماد مسارين مزدوجين؛ أحدهما يعنى بالجانب الأمني، والآخر بالجانب الفكري، مما يمكن أن يسهم في القضاء على الظروف المساعدة على الإرهاب ومنع الجريمة، مع تناغمه مع أهداف حقوق الإنسان وسيادة القانون في المملكة. إلا أن التحريض الذي يتلقاه الشباب على وجه الخصوص، يجعل من الصعوبة التسليم التام بمنهج المناصحة التقليدي وتغيير النهج التكفيري من خلالها.
وأزعم أن المناصحة نجحت نظرياً واستراتيجياً؛ لكنها لم ترقَ قط للطموح المأمول وهو الإقلاع تماماً عن النهج التكفيري والفعل الحركي عدا مع فئة قليلة لا تشكل في الواقع الخطر الكبير! لاسيما وأننا نرى عدداً كبيراً من الإرهابيين حالياً قد انضموا لمركز المناصحة وتخرجوا منها ولكنهم عادوا لغيهم مرة أخرى.
ولعل البرنامج المطبق يفتقد للأسس الصحية التي يبنى عليها الإقلاع أو عدم العودة للجريمة، ومنها التفريد في المناصحة، حيث يبدو أنها تقدم بشكل جماعي عبر محاضرات شرعية أو ورش عمل أو إخضاع جميع الفئات لذات البرنامج، وتم وضعها في كفة واحدة دون النظر للناحية النفسية والاجتماعية التي قد يكون أغفلها البرنامج حينما ركز التوجيه على النواحي الدينية أو النفسية، برغم أن مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة وبميزانيته الضخمة التي وصلت إلى أكثر من (144) مليون ريال سنوياً يمكن أن يستقطب أصحاب الفكر العارف ببواطن الأمور والمثقفين والأطباء النفسيين والمتخصصين في علوم الاجتماع والنفس والجريمة؛ وهي علوم إنسانية تساهم في علاج المهووسين بالإرهاب والتفجير والقتل، وبمقدورها تصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة لديهم لاسيما ما يختص بالحكومة وتضخيم أخطائها أو تكفيرها أو التوق للمناصب والإمارة تحديداً. إذا علمنا أن داعش قد نجحت وجميع التنظيمات الحركية في إرضاء طموح الشباب.
أوليس عجيبا أن أغلب المقبوض عليهم مؤخراً من خريجي المناصحة ؟! فأين الحل إذاً؟