د. خيرية السقاف
الإنسان أن يفكر، ثمة تناغم ديمومي بين وجوده على الأرض، ونبض فكره في رأسه، وكونه كيانا حيا،
ربما هو لا يلقي بالا كثيرا لبقية أعضائه وهي تلقائيا تتحرك مع فكره، تتفاعل مع احتياجاته لحظة أن يفكر،..
هناك من لا يجلس وهو يفكر فقدماه تحملانه جيئة، وذهابا، وهناك من يجلس لكن يده تتحرك، أصابعه تفرك شعر رأسه، أو تعبث بأقلامه، أو تشخبط في أوراقه،
رأسه يهتز، أو فيه أذناه تصيخان، وعيناه تجولان،
أو ساقاه كبندول الساعة تتعاقبان حركتهما..
كأنه القناصُ، أو الهاربُ على حذر، أو المترقبة هواجسه..!
حين يفكر الإنسان فلأنه يمتزج بالواقع، بحقيقة أنه يعيش، بتأكيد فعاليته في الحياة، بملاحاة حاجاته فيها، بحرقة طموحه وغاياته منها، بسعة خياله في مدخراتها، بركوبه موج عزيمته، ودخوله مضامير أحلامه،..
وفي النهاية، الإنسان لا يريد أن تنتهي أفكاره إلى حضيض الأحراش بأسنها، وطحالبها، ولا إلى أتون البراكين وحممها، ولا إلى هاويات الحفر ومدافنها..
الإنسان يفكر، يتحرك، ينبض ليصنع في الحياة سبلا للارتقاء، للعصف بقشور الأحلام وزرع أجنحة في كياناتها، لاقتناص الخفافيش في الظلام وإطلاق النجوم في مداراته، لجعل الحياة أكثر احتمالا، وأوسع تفاؤلا، وأحق به في تركيبة ساقياتها، وتحريك دواليبها.
في النهاية ليكون جديرا بها، ولتكون آهلة به..
الإنسان يفكر ويتحرك ليحقق ذاته،.. ويتيح لذوات الآخرين أن تفعل
وليكونوا معا للحياة منجمها، ونهرها، وحدَّائي دروبها الوعرة، وأنيسي لياليها الموحشة، ووقود نهاراتها المكتظة..!
الإنسان يفكر ليحيا، لا ليموت، ليعيش لا ليُقتل، ليتحرك لا ليتشظى
الإنسان الذي تنتهي أفكاره إلى العتمة، يقيدها في حزام ناسف، وهتك سافر، هو نبتة مقيتة في ماء آسن، ليس للحياة فيه حياة..!!