د. محمد عبدالله الخازم
«أما تدريب المعلمين ورفع قدراتهم ومهاراتهم فهي تتطلب جهودًا عظيمة وأموالاً طائلة وإمكانات بشرية كبيرة.. فمراكز التدريب الموجودة حاليًا في إدارات التعليم متواضعة الإمكانات، قليلة الخبرات. ولو تمكنا من فتح مجال التدريب خارج المملكة فلن نستطيع تدريب أكثر من 1000 معلم في العام الواحد...».
النص أعلاه مقتبس من مقال نُشر مؤخرًا لمعالي وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى، وهو تأكيد لرؤيته بأهمية تدريب المعلمين. وعليه أجدها فرصة لأن أكرر مقترح تأسيس معهد التدريب التربوي، الذي سبق أن طالبت به أكثر من وزير سابق، سواء عبر المقالات الصحفية بشكل مختصر، أو عبر التواصل المباشر بشكل أكثر تفصيلاً.
هناك ثلاثة مكونات رئيسة للتعلم، ألا وهي المعارف والمهارات والسلوكيات. وقد (تعورف) على أن التعليم الجامعي يغلب المعارف على المهارات، بل إننا نعتقد أن أحد مآزق التعليم التربوي لدينا هو التعامل مع مهنة التدريس لزمن طويل في كلياتنا التربوية على أنها تخصص معرفي أو نظري؛ وبالتالي لم يتم التشديد على الممارسة العملية والتدرب عليها، ولم يتم التشديد على السلوكيات المطلوبة في المعلم بقدر ما تم التركيز على تعليم التخصص كعلم نظري. وحتى في الحالات التي أوجدت فيها مواد تطبيقية لم يتم استخدام أفضل السبل لتعليم التدريس كمهنة، وإنما بقي التطبيق أمرًا هامشيًّا أو مكملاً في المنهج. بمعنى آخر، هناك ضعف في تعليم التدريس كمهنة تطبيقية بما تحويه من مكونات في كيفية شرح المادة، وكيفية التقييم والقياس والتعامل مع الطلاب وتصميم المنهج واستخدام أساليب متنوعة لنقل المعلومة، وغير ذلك من المهارات. من هنا لا بد أن تأخذ وزارة التعليم زمام المبادرة في هذا الشأن، وعدم الاعتماد على الجامعات والكليات التربوية في مسألة كونها ستقوم بتخريج معملين ناضجين قادرين على الإبداع في العملية التعليمية دون مزيد من التدريب والصقل. وزارة التعليم عليها أخذ مسألة التدريب والتطوير المهني المستمر لمعلميها وإدارييها بشكل جدي، سواء كانوا حديثي التخرج أو قدماء يحتاجون إلى تطوير على رأس العمل. وحتى لا يأتي من يدافع بأن ذلك قائم فعلاً نشير إلى عدم إنكار قيام وزارة التعليم تنظيم بعض الدورات للمعلمين والإداريين، أو إرسال قلة منهم جدًّا إلى دورات خارجية أو محلية، لكنها دورات متناثرة وغير منتظمة ضمن برنامج تطويري مرتبط باحتياجات وبمستويات ورتب المعلمين والمراحل التي يدرسونها.
مستقبلاً سيكون هناك رتب المعلمين، وربما يكون من شروط الانتقال من مستوى لآخر الحصول على عدد محدد من مواضيع وساعات/ حقائب التدريب. بناء على ذلك أكرر مقترح إنشاء معهد التدريب التربوي التابع لوزارة التعليم؛ لتكون عملية التدريب والتطوير مبنية على أسس علمية، تتولاها مؤسسة متخصصة ذات نظام مؤسسي واضح. فكرة إنشاء معهد للتدريب التربوي سبق أن طرحتها أكثر من مرة - يمكن تسميته المركز - وقربت فكرته بما يشابه معهد الإدارة، وسيكون لديه مهمة تدريب نصف مليون معلم ومعلمة وإداري وإدارية في الجوانب التربوية للمعلمين والمعلمات على رأس العمل. مثال التدريب على طرق التدريس، طرق الاختبارات، مهارات الاتصال، القيادة التربوية، مهارات التعليم في مختلف التخصصات، إعداد المناهج، وسائل وتقنيات التعليم الحديثة... إلخ. بل يمكن لهذا المعهد - وفروعه مستقبلاً - أن يصبح ذراعًا علمية وبيت خبرة متميزًا لوزارة التعليم في مجال تقديم الاستشارات والدراسات والترجمة في مجال تخصصه، كما هو حاصل بالنسبة لمعهد الإدارة في مجال الخدمة المدنية.
معهد التدريب التربوي (هذا اسم وصفي مقترح، وقد يحمل اسم شخصية اعتبارية وفق ما يراه أصحاب الشأن) يمكن تأسيسه بالتعاون مع بيوت خبرة تربوية/ تعليمية عالمية متميزة بالتزامن مع ابتعاث الكفاءات المتميزة لمزيد من التدريب التطبيقي. ولا أنسى التذكير بأهمية التركيز فيه على الجانب التطبيقي، والحرص على عدم جعله نسخة مكررة من الكليات النظرية.